هويات للبيع
الأوطان ليست سلعاً تباع وتشترى في الأسواق، والمال لا تشترى به الولاءات الوطنية، وإن كان من الممكن أن يكسب به الجماعات الانتهازية والاستغلالية، التي كما تم شراؤها بالمال ستبيع الأوطان في أي لحظة حين تتضاءل مقابل الانتفاع المادي، واليوم بعد أن أصبحت قضايا الفساد المالي وحكايات المافيا تجثم على الصدر الكويتي، أضحت الثقافة النفعية الانتهازية هي المهيمنة في عوالم الرشا والمحسوبيات في «ديرة من سبق لبق». على ذلك لم تكن مفاجأة أن يعلن بالأمس الشيخ مازن الجراح عن المشروع المادي لشراء وطن للبدون الكويتيين، في جزر القمر.
البضاعة المعروضة هي هذه الدولة التي يمكن شراء جنسيتها، ولا يهم الولاء لهذه الأوطان المعدمة، يكفيها أن يعرض عليها العوض المادي، لتسبغ جنسية المواطنة على من تريد دول الأثرياء الكويتية نبذهم والتخلص من همهم، وكأنهم هم الذين خلقوا قضيتهم، وهم الذين دلسوا واقعهم كبدون.جناسي جزر القمر المعروضة الآن في بورصة السياسة الكويتية، وما أكثر ما يتم إشغال الناس هنا بين كل يوم وآخر بمثل تلك «الترهات» السياسية، لا تختلف في حقيقتها عن المشروع الرسمي السابق للسلطة «المحتاسة» بالبدون في التسعينيات للحصول على جناسي أي دولة في أسواق الوطنيات المختلقة، وحين حصل عدد من البدون على تلك الجناسي بالشراء، وبغرض استقرار أوضاعهم المهددة، تبين أن تلك الجناسي مزورة، وأنهم كانوا ضحية ذلك التزوير بالأمس، واليوم أصبح أبناؤهم ضحايا الحرمان من التعليم، ولا عوض لهم غير تصريحات رئيس الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية عن أريحية الدولة معهم حين تكفلت بمقابل التعليم وبشرط شهادة ميلاد رسمية... وبشرط شهادة بدون مختلفة الألوان، وبشروط إذلال تعجيزية ليس لها نهاية... مشروع جناسي جزر القمر، الذي ستوفر الدولة ثمنه من «المال العام»، يدفع لمؤسسة أو شركة ما، التي ستكون الوسيط بين مشروع المواطنة للبدون ودولة جزر القمر بمقابل استثماري معلوم يقبضه سمسار الشركة، لا يعني، كما يصرح المسؤولون في الدولة، حرمان البدون من ميزات الإقامة أو بعض المزايا الأخرى التي «تكرمت» بها عليهم، بل ستظل باقية، ولكن، في آخر الأمر، يصبح وضع البدون، قابلاً للتصدير للغير، ويصبح البدون قابلين للإبعاد... وبهذه الصفقة الخائبة تنتهي الدولة من وضع البدون المعلق، وتستحق عندها أن يقال عنها مركز إنساني مرة أخرى، فلا بدون، ولا يحزنون، وكل أمر له ثمن وقابل للبيع من الهويات الوطنية حتى المراكز الإنسانية.