«هل نجري مراسم دفن «ثورة يناير»؟

نشر في 24-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 24-05-2015 | 00:01
يعطي المجال الإعلامي المصري الراهن انطباعاً بأن ثمة توجهاً إلى تلميع نظام مبارك وتلطيخ سمعة «ثورة يناير» ونشطائها، وهذا الأمر يجري تحت بصر السلطات، على أقل تقدير، وينطوي على انتهاكات وجرائم أحياناً من دون أي تدخل.
 ياسر عبد العزيز إنها أيام مثيرة، تلك التي تعيشها مصر منذ اندلاع "ثورة 25 يناير"... ففي الأسبوع الماضي تم تعيين وزير جديد للعدل، هو المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة، وأحد "ألد أعداء" تلك الثورة وفق ما يصفه كثير من نشطائها باستمرار.

المستشار الزند كان أحد نجوم تحالف "30 يونيو" الذي أسقط حكم تنظيم "الإخوان"، ومعروف عنه جرأته الشديدة في مواجهة أعضاء هذا التنظيم، ويلصق به خصومه ونقاده بعض الاتهامات التي تمسّ ذمته المالية أيضاً، كما أنه يعد أحد المدافعين البارزين عن نظام حسني مبارك.

الخلاصة كما يراها أنصار "ثورة يناير" الآن أن النظام القائم ينقلب على الثورة، ويعين أحد ألد أعدائها في منصب خطير ومهم؛ وهو الأمر الذي كان محل اهتمام وسائط التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي.

بموازاة هذا التعيين الصادم لكثيرين في مصر، ثمة معركة يتم خوضها عبر وسائل إعلام تابعة لرجال أعمال محسوبين على نظام مبارك أو خاضعة لتأثير بعض الأجهزة الأمنية.

في تلك المعركة، يتم الاغتيال المعنوي للعديد من الشخصيات التي لعبت دوراً بارزاً في "ثورة يناير".

يعطي المجال الإعلامي المصري الراهن انطباعاً بأن ثمة توجهاً إلى تلميع نظام مبارك وتلطيخ سمعة "ثورة يناير" ونشطائها، وهذا الأمر يجري تحت بصر السلطات، على أقل تقدير، وينطوي على انتهاكات وجرائم أحياناً من دون أي تدخل. وفي الوقت نفسه، تتزايد الانتقادات الداخلية والخارجية لحالة حقوق الإنسان، خصوصاً أحكام الإعدام الجماعية التي تواجه تشكيكاً واستهجاناً.

في 5 أبريل 2014، نشرت في هذه الزاوية مقالاً تحت عنوان "ثلاثة سيناريوهات للسيسي"، عشية انتخابه رئيساً للبلاد.

قلت في هذا المقال إن السيسي "لن يجد صعوبة كبيرة في حسم الانتخابات الرئاسية في مصر لمصلحته، بسبب أنه الأكثر قدرة على الوفاء بأهم عناصر الطلب الوطني: الدولة، والأمن، والاستقرار".

وأشرت إلى ثلاثة سيناريوهات، سيضطر السيسي إلى الاختيار منها في مطلع ولايته الأولى، على النحو التالي:

"في السيناريو الأول سيعيد السيسي لملمة أعضاء نخبة الحكم في عهد مبارك، وسيعتمد على مجموعة من رجال الأعمال الذين أثروا من فساد عهده، وسيعيد بناء أجهزة التسلط الأمني، و"دولاب" الإدارة المحلية، الذي كرس الفساد، وأدمن تزوير الانتخابات وتحزيمها لمصلحة السلطة الحاكمة عبر عقود ثلاثة. كما سيجدد الثقة في طبقة الإعلاميين الأفاكين، الذين اصطفوا لتكريس حكم نظام مبارك قبل أن ينهار، ويحاولون الآن العودة إلى الواجهة، واحتلالها، ليغسلوا سمعتهم، ويؤكدوا أنهم انتصروا على "25 يناير"، التي سيصفونها بأنها "مؤامرة لتخريب البلاد تم دحرها بواسطة الشرفاء من أمثالهم".

ورغم أنه سيحقق تقدماً اقتصادياً ملموساً مع الوقت، فإنه لن يكون قادراً على الوفاء باستحقاقات جوهرية تتعلق بمطالب "ثورة 25 يناير"، وموجتها الثورية الثانية في 30 يونيو.

السيناريو الثاني: في هذا السيناريو، سيكون السيسي قد وعى الدرس جيداً، وأدرك أن سقوط نظام مبارك، ومن بعده حكم المجلس العسكري السابق، وسلطة "الإخوان"، كان بسبب عجز تلك الأنظمة الثلاثة عن الوفاء بالاستحقاقات الجوهرية لثورة 25 يناير.

سيظهر السيسي، وفق هذا السيناريو، أنه فهم جيداً رسالة الجماهير، التي اعتصمت لمدة 18 يوماً في ميدان التحرير للمطالبة بإزاحة مبارك، والتي أرست مطالب ثورية جوهرية، حددتها في الشعار: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية.

في هذا السيناريو، سيعتبر السيسي أن وفاءه باستحقاقات "25 يناير" شرط أساسي لتعزيز قاعدة حكمه، واستدامة سلطته، وتحقيق أهدافه، ودخول التاريخ من أوسع أبوابه.

سينتهج السيسي، وفق هذا السيناريو، سياسات لإيجاد حلول ناجعة لأزمة المهمشين والمحرومين، وسيسعى إلى توفير فرص العمل، واحترام معايير حقوق الإنسان، وغل يد السلطة الأمنية عن الممارسات الحادة والاستبدادية.

سيحاول السيسي، إذا اعتمد هذا السيناريو، إصلاح جهاز الدولة البيرقراطي، ومحاربة الفساد، وتنقية التشريعات، وتأمين آليات المشاركة الجماهيرية الواسعة في العمل الوطني، وسيحاول تمكين الشباب، عبر تحرير طاقاتهم، وإتاحة فرص العمل، والتفكير، والمشاركة لهم.

سيعمل السيسي، إذا اتبع هذا السيناريو، على تحرير الإعلام وضبط أدائه، وإيقاف الهجوم الحاد على رموز "ثورة يناير"، دون أن يقيد الحريات أو ينتهكها، وسيكرس احترام الدولة لمطالب تلك الثورة، وسيعتبر أن الالتزام بتحقيقها ضرورة وشرف، وأن النكوص عنها ردة وخطر، وسيحترم حقوق الإنسان، وسيسهر على تطبيق القانون.

السيناريو الثالث: في هذا السيناريو، سيحاول السيسي أن يمسك العصا من المنتصف؛ ولن يوضح موقفه من الأسئلة الجوهرية الصعبة، سيسعى إلى استمرار التحالف العريض الذي حمله إلى صدارة المشهد السياسي؛ أي تحالف "رافضي فاشية الإخوان".

سيتعامل السيسي مع أطياف هذا التحالف بذرائعية وعدم حسم، سيترك "الفلول" يعتقدون أنه منهم، وأنه يعيد بناء دولة مبارك لهم، وأنه يشكل اعتذاراً تاريخياً لهم عما لحق بهم من إساءات، وباباً جديداً يعودون من خلاله إلى جمع الغنائم وتحقيق الأرباح.

وسيترك أنصار "ثورة 25 يناير" يعتقدون أنه أتى لينفذ مطالبهم، وأن صمته عن استعادة "الفلول" لمواقعهم يأتي في إطار محاولة تسخير طاقاتهم لخدمة العهد الجديد، وأن الانتهاكات التي تقع من أجهزة الأمن، والاعتداء على حقوق الإنسان ليست منهجية وليست مقبولة.

الآن سيمكننا أن نقلق من خيارات السيسي، لأن إشارات عديدة ترجح أنه مازال يراوح بين سيناريو إعادة إنتاج دولة مبارك وسيناريو الإمساك بالعصا من المنتصف.

إن تجاهل مطالب "ثورة يناير" واستحقاقاتها عمل ستكون له عواقب وخيمة، والإمساك بالعصا من المنتصف قد يُسكّن الأوضاع ويوفر وقتاً، لكنه لن يحل مشاكل مصر على المدى البعيد، ولن يجيب عن أسئلتها الصعبة.

مسألة أخرى في غاية الأهمية، لقد جاء وزير العدل الجديد في أعقاب استقالة سلفه، الذي أطاحته حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه أدلى بتصريحات "طبقية".

تلك أوضاع جديدة... لن تجدي معها السياسات القديمة.

* كاتب مصري

back to top