بدِّلوا سكنكم بلا إجهاد

نشر في 09-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 09-05-2015 | 00:01
No Image Caption
سواء كان الحافز وراء تبديل مكان السكن علاقة جديدة، أو ولادة مرتقبة، أو انفصالاً أو بكل بساطة رغبة منك في تغيير مكان سكنك، يبقى دوماً حدثاً مهماً في وجود الإنسان يترافق مع مقدار كبير من الإجهاد. ولكن يمكنك التحكّم بكل هذا الإجهاد من خلال التنظيم الجيد.أظهرت دراسات عدة أن تبديل مكان السكن يحتل المرتبة الثالثة بين العوامل المسببة للإجهاد والتعب، بعد وفاة شخص عزيز وخسارة العمل.
تبديل استغلال الوقت، والتحكم بدقة فترة طويلة بالتفاصيل الإدارية... يشكل تبديل مكان السكن، أيضاً، مصدر انقلاب عميق على الصعيد العاطفي. ولا شك في أن تبديل السكن هذا يكون أشد تأثيراً وإيلاماً، وقد يتحول إلى صدمة، إن جاء فجأة (بطالة، إصابة بإعاقة، أسباب مالية...). فبالإضافة إلى فقدان نقاط الارتكاز في حياتنا، يسبب تبديل مكان السكن نوعاً من خسارة احترام الذات يرتبط بشعور بالفشل. نتيجة لذلك، يلاحظ أطباء النفس عادةً قلقاً خفياً، إجهاداً، أو حتى كآبة لدى مَن يعملون على نقل سكنهم أو انتهوا لتوهم من هذه الخطوة الكبيرة.

المنزل وما يمدنا به من حماية

يشكل المنزل مرآة وملجأ في آن، فهو يكشف كامل حقيقتنا ويحمينا. يروي منزلنا قصة شخصيتنا، تاريخنا، وأحلامنا الدفينة. كذلك يثير المنزل في داخلنا مشاعر متضاربة تكون جياشة غالباً لأنه يمثل مكاناً للتشاطر، الحب، العائلة، وأحياناً الصراع. إذاً، تعلمنا الكثير من المكان الذي نسكن فيه عن عاداتنا وعن حياتنا. نتيجة لذلك، نستخدم عبارات مثل «الملجأ»، «المخبأ»، «ميناء السلام»، و{مكان الراحة» لنصف الجدران التي نقطن داخلها.

نتيجة لذلك، يُعتبر بُعد الحماية الذي يمتار به المنزل بالغ الأهمية اليوم، لأن فكرة التمتع بمسكن حقيقي خاص بنا تفسح في المجال أمامنا بلمس شعورنا الداخلي بالأمان.

فقدان نقاط الارتكاز

يعني تبديل مكان السكن تغيير المنزل، الأصدقاء، النشاطات، تغيير كل عاداتنا وبالتالي فقداننا نقاط الارتكاز في حياتنا. لذلك من الطبيعي أن نشعر بالإجهاد، من دون أن ننسى أن كل جديد ومجهود يولد في داخلنا الخوف.

إذاً، نحتاج إلى كثير من الجهد والعمل، لنتخطى هذا التطور في حياتنا بنجاح: تبدأ هذه العملية بالحزن على مسكننا القديم، التعود على المنزل الجديد بجعله أكثر جمالاً، وتنظيم بأفضل طريقة ممكنة عملية تبديل السكن.

الفرز لتخفيف العبء

«كم كتاباً في مكتبتي لم أقرأه أو لم أنهِ مطالعته؟ كم قطعة من الملابس في خزانتي لم ألتفت إليها منذ أشهر أو بالأحرى منذ سنوات؟ وكم زوج أحذية لا يطأ الأرض إلا مرة أو مرتين في السنة هذا على أفضل تقدير؟ كم قطعة من الأكسسوار مخبأة في أسفل الدرج وما عادت تخطر في بالي؟ وكم قطعة عرض مركونة على طاولة المكتب أو يغطيها الغبار على رفوف المكتبة أو تشغل مساحة كبيرة من خزائن المطبخ من دون أن أنظر إليها أو حتى أستعملها؟».

لا شك في أن الجواب عن كل هذه الأسئلة واحد: الكثير! لأسباب مختلفة، نجد خلال العقد الماضي أنفسنا رازحين تحت كم من الأشياء لا تعجبنا أو ما عادت تروق لنا أو ما عدنا نراها أو ما عدنا نهتم بها. رغم ذلك، نحتفظ بهذه الأغراض في منزلنا. ولكن مع التخطيط لتبديل مكان السكن، يكون الوقت قد حان لتعلم «الانفصال» عن مقتنياتنا والكف عن التعلق غير المنطقي بها. باختصار، بقيامك بعملية الفرز الضرورية التي ما انفككت ترجئها، تخفف من كل ما يرزح على كاهلك. ولا شك في أن هذه خطوة ممتازة.

مسألة تنظيم

معظم الشكليات المرتبطة بعملية تبديل السكن تسبب الإجهاد. ومن المؤكد أنك لا تود أن تحول هذه التجربة إلى كابوس حقيقي. لذلك تُعتبر الخطوة الأولى والأهم التنظيم واتباع المراحل العملية المختلفة:

المرحلة الأولى: عند نقطة البداية

- قيّم أولاً حسنات تبديل مكان السكن وسيئاته: المدينة، البلد، القارة، العمل، الصعوبات، إطار الحياة العملية والشخصية والعائلية... ولا تتردد في تدوين لائحتين منفصلتين على دفتر صغير.

عليك زيارة المكان الجديد الذي تقتطن فيه. وقد يكون من الأفضل أن تصطحب معك شريك حياتك. وهكذا تستطيعان أن تقيّما مكان سكنكما الجديد عن كثب.

- تعرّف إلى منطقتك الجديدة، مدينتك الجديدة، وحيك الجديد. ويمكنك الاستعانة في هذه المهمة بالإنترنت مثلا. أما إن كنت تخطط للسفر إلى الخارج، فاستعلم عن مكان سكنك الجديد عبر السفارة.

- تعرّف إلى المدينة والحي واطلب من محيطك العائلي مشاركتك في هذه المهمة.

إن كان لديك أولاد، فخصص الوقت لتوضح لهم لمَ تقدم العائلة على خطوة مماثلة ولمَ تبديل السكن ضروري. وحاول أن تطمئنهم قدر المستطاع لأن تغيير السكن يعني لهم الابتعاد عن الرفاق والأصدقاء.

- حدد تاريخاً ثابتاً ضمن مهلة منطقية للقيام بعملية الانتقال الفعلية إلى المسكن الجديد.

- أعد لائحة بالأمور المهمة التي يجب إنجازها وفق ترتيبها الزمني.

- أعد نموذجاً عن شكل منزلك الجديد والمساحات داخله محدداً موضع كل قطعة أثاث فيه. وتشكل هذه خطوة جيدة تساعدك في تحديد ما لا مكان له في المنزل الجديد وما تحتاج إلى التخلص منه.

المرحلة الثانية: بعد أول خطوة

 

- ابدأ بفرز أغراضك: تلك التي تود الاحتفاظ بها ونقلها إلى المسكن الجديد، تلك التي تريد رميها، تلك التي تريد إعادة تدويرها، وتلك التي تود وهبها...

- اتصل بعمال متخصصين في نقل المنازل واستشر أكثر من شركة نقل لتحصل على ثلاثة عروض مختلفة. وهكذا تتمكن من اختيار الأنسب بينها. واحذر الأسعار المرتفعة جداً. اقرأ العروض جيداً، بما فيها الشروط والواجبات والتأمين المقترح.

- كي لا تُضطر أن تقوم أنت بنفسك بتغليف الأثاث، اسأل شركة النقل: هل تتولى هي عملية تغليف الأمتعة والأثاث؟ وقد تتوصل معها إلى صفقة مناسبة، وإلا ابدأ بتوزيع هذه المهام على أفراد العائلة، الأصدقاء والمعارف.

- قم بتعديلات لازمة في عقود الغاز، الكهرباء، الماء، الهاتف، والتأمين.

- أعد علب الكرتون ودوّن على كل منها محتواها بالتحديد. ضع كل ما هو ثقيل الوزن في علب كرتون صغيرة وكل ما هو خفيف في علب كبيرة. ضع جانباً العلب التي تحتوي الأغراض {الضرورية} التي قد تحتاج إليها في الحال لدى وصولك إلى المسكن الجديد.

- عشية اليوم المنتظر: أفرغ البراد وافصله عن الكهرباء كي يسخن طوال ليلة على الأقل. كذلك أفصل الأدوات الكهربائية الأخرى.

المرحلة الثالثة: اليوم المنتظر

- احتفظ في حقيبتك الخاصة أو في سيارتك أو سيارة العائلة بـ: الاوراق الثبوتية الأساسية، العقد الذي وقعته مع شركة النقل كي تضع النقط على الحروف، بوليصات التأمين، اللوحات الثمينة والمجوهرات (أو في خزنتك في المصرف)، بالإضافة إلى علبة إسعافات أولية، أجهزة لتعديل الكهرباء، آلة لصنع الكهرباء، محارم ورقية للحمام، مصابيح كهربائية، علبة العدة...

- تقاسموا المهام: يجب أن يتوجه بعض أفراد العائلة إلى المسكن الجديد لاستقبال عمال النقل ووضع كل الأغراض في مكانها، في حين يظل باقي أفراد العائلة في المسكن الذي تغادرونه بغية مراقبة أعمال النقل والترتيب وتوضيب المنزل، قبل الرحيل، وتسليم المنزل إلى مالكه الجديد.

- إذا كنت قد درست جيداً الخريطة الداخلية لمنزلك الجديد، يمكنك أن تعطي الخطط التي أعددتها لعمال النقل كي يعرفوا مكان كل قطعة أثاث. كذلك يمكنك أن تفرغ العلب الكرتونية في الحال وتضع كل قطعة في مكانها. وهكذا تتفادى الإجهاد خلال هذه العملية أيضاً. وتذكّر أنك لست مضطراً لتوضيب كل الأغراض بين ليلة وضحاها. خذ كل الوقت لتقوم بعمل متقن ولا تُضطر لاحقاً إلى تبديل وتغيير.

- اقصد منازل الجيران القريبة من منزلك وعرّف عن نفسك وابدأ علاقتك بهم بطريقة جيدة.

إذاً، تستطيع بكل تأكيد تبديل مسكنك، وتحدّ  من الإجهاد والتعب اللذين يرافقان هذه العملية المضنية. فمن الممكن أن تنظم خطواتك وتنظر إلى هذه العملية بإيجابية. وهكذا تحول تبديل المسكن هذا إلى رمز لحياة جديدة أكثر متعة وسعادة.

إذا، يشكل التنظيم والفرز أساس عملية تبديل المسكن الناجحة. وهكذا بعد أن تتخلص من الأغراض التي لا تحتاج إليها والتي تقبع في أدراجك وخزائنك ومكتبك، منذ سنوات، من دون أن تستعمرها أو حتى تلتفت إليها، تبدأ عملية التخطيط والتنظيم، من تحديد الأغراض الأكثر أهمية إلى الاتصال بشركات النقل واختيار الأفضل بينها، وتوضيب الأغراض والأمتعة في علب. كذلك لا تنسَ أهمية التعرف إلى محيطك ومنزلك الجديدين قبل أن تحسم أمرك نهائياً وتقرر الانتقال. وقد يكون من الأفضل ألا تتخذ هذا القرار بمفردك، بل اصطحب شريك حياتك معك. تبديل المسكن ليس بخطوة سهلة. فبالإضافة إلى التعب الجسدي، تحمل معها الإجهاد والتعب النفسي. ولكن لا تستسلم لهذا الشعور، وبالتنظيم والتخطيط، تحول هذه التجربة المضنية إلى بداية جديدة ممتعة.

هل تعرف؟

يسبب تبديل مكان السكن مقداراً كبيراً من الإجهاد لنحو 76% منا.

الفرز ضروري!

من الضروري القيام بعملية فرز الأثاث، الملابس، الكتب وألعاب الأولاد، وغيرها من الأغراض واختيار ما تحتاج إليه. ولكي تنجح في عملية الفرز هذه، أعد أولاً لائحة بالأشياء التي تعتبرها «بالغة الأهمية» بالنسبة إليك، واطلب من سائر أفراد العائلة القيام بالمثل. وبفضل هذه اللوائح، التي يجب مراجعتها مراراً قبل اعتبارها نهائية، تكوّن فكرة أكثر وضوحاً عما ستحملونه معكم إلى مسكنكم الجديد. استغل هذه الفرصة للتخلص من الأغراض الزائدة التي لا تحتاجون إليها ومرت سنوات منذ استخدمتموها للمرة الأخيرة. وتُعتبر هذه الخطوة مهمة أيضاً على الصعيد النفسي لأنها تسم بداية جديدة.

اختبار تخلٍّ

بما أننا كائنات تميل إلى التعوّد بطبيعتها، يشكل التغيير دوماً بالنسبة إلينا اختبار تخلٍّ: عن الأشياء، الجدران، والحي. ولهذا السبب، نخرج من هذا التبدل ونحن منهكون، علماً أن التعب الذي نشعر به يتخطى، بأشواط، عواقب الجهد الذي نبذله. وهكذا كما تخسر الطيور ريشها، نبدل نحن البشر سكننا. يشكل المكان الذي نعيش فيه غلافاً يحمينا ويقينا من كل ما يسيء إلينا، يعكس حقيقتنا الداخلية، ويحمل في طياته لحظات وجودنا المختلفة. يترك البالغون الشبان كنف العائلة ليحلقوا بمفردهم، ويشكلوا أسرهم الخاصة، يصبحوا والدين، ويتقدموا في حياتهم العائلية كما المهنية.

تأثير تبديل المسكن في الأولاد

ينصح الخبراء بضرورة ألا ينسى الأهل الأولاد وسط معمعة الانتقال هذه. تشكل هذه الخطوة نوعاً من الانسلاخ للأولاد لأنهم سيتركون منزلاً لهم فيه الكثير من الذكريات الحلوة، فضلاً عن حيهم ورفاقهم وأصدقائهم. من هنا تنشأ الحاجة إلى أن يخصص لهم الأهل الوقت ليخبروهم ماهية هذه الخطوة، وأن يبذلوا قصارى جهدهم ليطمئنوهم.

back to top