المشكلة عدم الثقة بأميركا
ليس مؤكداً أن الأميركيين وعدوا الفلسطينيين بأنهم إن هُم أعطوهم فرصة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، فإنهم "يتعهدون" باتخاذ موقف حازم يلزم أي حكومة تسفر عنها هذه الانتخابات بعملية السلام، خصوصاً لجهة المطلب الفلسطيني بتحديد موعد مرفق بجدول زمني للانسحاب من الأراضي الفلسطينية، التي احتلت في عام 1967، وقيام دولة الشعب الفلسطيني المنشودة وعاصمتها القدس الشرقية.وهنا ولإزالة الالتباس الواقع فيه البعض، والذي على أساسه يقولون إن عاصمة هذه الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة يجب أن تكون في القدس، لا في القدس الشرقية، فإنه لابد من إيضاح أن الإصرار على أن "القدس" هي التي يجب أن تكون عاصمة لهذه الدولة لا "القدس الشرقية" هو مطلب إسرائيلي، على أساس أن القدس تضم جزءاً كبيراً من الضفة الغربية، وأن هذه العاصمة بالإمكان أن تكون في رام الله أو أريحا، بينما القدس الشرقية تعني القسم الذي احتله الإسرائيليون من هذه المدينة المقدسة في حزيران (يونيو) عام 1967.
والمهم أن القيادة الفلسطينية، التي أبدت مرونة زائدة منذ ذهابها إلى مجلس الأمن الدولي بصيغة ضرورة إلزام إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضي التي احتلتها في عام 1967، والتي قبلت بتغيير هذه الصيغة مرات عدة، لا تثق بالتعهدات والوعود الأميركية طالما أنها، ومعها العرب، قد سمعت الكثير من مثل هذه التعهدات والوعود التي بقيت وعوداً ولم ينفذ أي شيء منها على الإطلاق. إن لنا تجربة طويلة مع الولايات المتحدة بالنسبة إلى الصراع العربي- الإسرائيلي، وهي تجربة مخيبة للآمال، ولهذا فإن القيادة الفلسطينية، والمفترض أن العرب يؤيدونها في هذا، تبدي حذراً شديداً تجاه ما يطالبها به الأميركيون لجهة تأجيل طلبها الآنف الذكر إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية التي تشير كل الاستطلاعات المتلاحقة إلى أن من سيفوز فيها هو اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً بقيادة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، وذلك اللهم إلا إذا غلّب فلسطينيو عام 1948 المصالح الوطنية العليا على الانحيازات الحزبية الضيقة، وعلى الدوافع والتطلعات الشخصية، وخاضوا هذه الانتخابات بقائمة واحدة.إنه لا ثقة إطلاقاً لا بالولايات المتحدة ولا بوعودها، وإن المعروف أن هذا الرئيس الأميركي بقي يلزم نفسه ويلزم إدارته بتعهدات في المساء، ثم لا يلبث أن "يلْحسها" في الصباح، إنْ بالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، وإن بالنسبة للأزمة السورية التي ازدادت تعقيداً يوماً بعد يوم، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، وأيضاً إن بالنسبة للعديد من القضايا العالقة، إن في هذه المنطقة، وإن في العالم بأسره.ولهذا فإنه مع القيادة الفلسطينية الحق كله في أن تُظهر كل هذا التردد تجاه ما يعد به الأميركيون لقاء تجميدها مطلب موافقة مجلس الأمن الدولي على الانسحاب الإسرائيلي من أراضي الضفة الغربية التي احتُلت في عام 1967، ومن ضمنها القدس الشرقية، إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، فالمثل يقول: "عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة"، إذ إن الأفضل في هذه الحالة أن تتجه منظمة التحرير نحو البديل "المضمون"، كالعضوية الكاملة في محكمة الجنايات الدولية، وفي العديد من الهيئات المماثلة.