ماذا عن روايتك الأخيرة {على باب الهوى}؟

Ad

هي روايتي الثامنة، تدور أحداثها في عوالم مدهشة لا حصر لها، وتضم شخصيات وقصص حب وغرام، ومعرفة وأفكاراً وصوراً ومواقف يحتاج شرحها إلى مجلدات عدة. تصور تلك الرحلة إلى ألمانيا، إنها رحلة مدهشة مليئة بالخيبات، مثل خيبات دون كيخوته الأندلسي، خيبات التوقُّع، صدمة توقع شخصية الرواية {خليل} لحضارة أوروبا الجميلة التي تستقبله بتفتيش الكلب لحقيبته، وتزرع جاسوساً في غرفة نومه، ورد فعل عشقه لوطنه العربي الذي يستقبله بتعقيدات، ويفرض عليه عذابات تفوق صفعات الغرب، تلك العذابات الموجهة إلى المواطن العربي أينما حل، سواء في بلاد الغرب أو في بلاده وموطنه، فيؤمن بمقولة {لا كرامة لنبي في وطنه}.

أصدرت ثماني روايات، كيف تصف علاقتك بالرواية اليوم، وما مدى التماس بينك وبين شخصيات رواياتك؟

صرت اليوم أكثر دراية بالكتابة، وأكثر ثباتاً وأنا أقود مسيرة كتابة النص الروائي، التي ما زلت أراها أصعب من قيادة باخرة في عرض محيط متلاطم الأمواج. أما عن التماس، فلا شك في أن رواياتي مصبوغة بشخصيتي الثقافية، وخيالاتي التي أريد توظيفها، وأفكاري التي أريد توصيلها، وإن لم تكن سرداً حقيقياً لتاريخي الشخصي.

تتجلى الأسطورة في روايتك {قصة عشق كنعانية}، فإلى أي مدى تسكنك الأساطير والتاريخ في الكتابة؟

{قصة عشق كنعانية} رواية تحفر لإبراز تاريخ كنعاني جميل، معزز بقصص الحب والغرام، وبالزراعة والصناعة والتجارة، وبالأفكار والمعتقدات وبالآثار الماثلة حتى يومنا هذا. أما عن الأساطير، فإن أفكارنا نفسها تهيم في عالم الأساطير، الأشباح، والأرواح، والعفاريت، وأمنا الغولة، تسكننا، مهما كان مستوى ثقافتنا وتفكيرنا... حيواتنا الحالية محكومة بالأساطير، بكتب الأبراج، والحظ، والبخت، وقارئة الفنجان، والخرافيات، وقوى المقامات والأضرحة، هي المسيطرة على معاشنا الثقافي أكثر من الواقع. أنت لا تستمتعين اليوم بجلوسك على عتبة البيت وتفضلين استخدام المصعد، على عكس ما كان يحدث في الماضي، باستمتاعك بحكايات جدتك على عتبة بيتها القديم، وأدراجه القديمة المؤدية إلى السطوح.

ثمة تفجيرات إرهابية تستعيد جزءاً أسطورياً من الماضي.

لا تشغلنا تفجيرات الإرهابيين التي تقتلنا في كل بقاع الوطن العربي، بقدر ما تشغلنا الأساطير، من هنا جاء حفر شخصية عُمَر، في «قصة عشق كنعانية» لاكتشاف الإلهة الكنعانية عنات، ربة الطهر والزواج المقدس، وأخواتها من الآلهة الكنعانيين، عشتار وبعل ووالدها، ووالدتها عشيرة، وجدتها «يمّ»، إلهة الخلق عند الكنعانيين، المدفونين في مغارات سحيقة العمق، ما يجعل عُمَر يُطلق أرواحهم الحبيسة، لتعود فتعيش في عالمنا الحالي، الذي أوشك على نسيان جذوره الكنعانية الجميلة.

كتبت القصة والرواية والمسرحية، فما جدوى التنوع للمبدع، ووجه استفادة كل مجال من الآخر؟

الدراما المسرحية هي أساس الشد والتوتر الذي يدفع إلى الذروة في الرواية، والذي يوصلنا إلى حل عقدة النص في النهاية، ولهذا المسرح هو أساس الرواية. كنا أيام زمان نستمع إلى إذاعة لندن، في برنامج يبث روايات شكسبير، لم يقولوا آنذاك «مسرحيات شكسبير». وعندما كتب محمد حسين هيكل رواية «زينب»، كتب: «هذه القصة» لا «هذه الرواية». وهكذا تتداخل فنون المسرحية بالرواية بالقصة بالأقصوصة، لتكون فنون المسرح والرواية والقصة والأقصوصة هي أوجه مختلفة لفن واحد، فإذا كانت الرواية وليمة كبيرة، والقصة شطيرة طازجة، فإن الأقصوصة لقمة سائغة. وإذا كانت الرواية حديقة غناء، والقصة سلة زهور، فإن الأقصوصة وردة تتفتح. وإذا كانت الرواية معركة مترامية الأطراف، والقصة موقعة مسلحة، فإن الأقصوصة هي طلقة واحدة. وهذا الفرق في التعبير الفني لا ينقص من قيمة أي من هذه الإبداعات، أو الأجناس الأدبية الأربعة، إن لم تكن فناً أدبياً من عائلة واحدة.

ما السبب الذي جعل الرواية تتصدر المشهد الأدبي مقارنة بالقصة مثلاً؟

بقيت عبارة «الرواية» مسيطرة على مختلف أنواع الإبداع الأدبي، وصمدت عبر العصور، وتبقى المسيطرة على فنون الأدب، والدالة على الأدب الأكثر إمتاعاً وتداولاً وشعبية وقراءة. والرواية سرد نثري طويل، يصف شخصيات خيالية وأحداثاً على شكل قصة متسلسلة أو قصص متنوعة ذات علاقة بالموضوع الرئيس، وهي تعد أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث.

وكان العرب يسهرون في دواوينهم، فتجدهم في تلك السهرات «يروون» أحاديث كثيرة، فمنهم من «يروي» عن سبي قبيلة، وآخر عن القحط، وكان الحكواتي في العصور الأموية والعباسية «يروي» للجمهور حكايات مختلفة أشكالها، فبقيت كلمة الرواية تحتفظ بسيطرتها على قمة فنون الأدب.

أما حديثاً في عصر الفردية والانعزالية الرأسمالية، فتحولنا من ركوب القطار الجماعي إلى ركوب السيارة الفردية، وصارت كل فتاة تريد الزواج تطلب بيتاً أو شقة منفصلة عن العائلة أو القبيلة المركبة أيام زمان، وتحوَّل رواد المسرح الجماعي إلى قراء الرواية الفردية داخل غرف نومهم، وصارت الرواية هي الأكثر قراءة وتداولاً، والأكثر حضوراً بين أيدي القراء بما يتماشى مع معطيات المجتمع، ما أدى الى انتشار سردية الرواية وتفوقها على سائر الفنون.

 ما رؤيتك للمشهد الثقافي العربي حالياً؟

 

لا شك في أن ثمة تطوراً كبيراً في المشهد الثقافي العربي راهناً، بسبب انتشار وسائل الاتصال الحديثة، والشبكة العنكبوتية التي تنشر لكل الكتاب، بدل انتظار الكتاب رحمة دور النشر، تنشر لمن تشاء، وتحجب النشر عمن تشاء. الآن في عصر الرأسمالية الفردية، صار كل فرد ينشر لنفسه، صار النشر أسهل، والقراءة كذلك، وبالتالي الكتابة أيضاً. وساعد الفيسبوك وغيره من وسائل الاتصال على نشر الثقافة، والتواصل بين الكتاب والقراء، ما أثرى الفن الثقافي. والجميل في المشهد الثقافي أنه صار يغطي ربوع الوطن العربي كافة من أقصى مشارقها حتى أقصى مغاربها، من دون استثناء.