أسرار تل أبيب في يد الدبلوماسي المصري الدكتور رفعت الأنصاري، الذي تصفه إسرائيل بالجاسوس، يسرد لنا أكثر القصص تشويقاً، والتي قد تماثل قصص «جيمس بوند».

Ad

بدأ الأنصاري رحلته كأغلب الشباب العرب بمحاولة للهجرة إلى أميركا ليكون بجوار أحد أشقائه، ولكن توسل أبيه وأصدقائه منعه، خصوصاً أن اشقاءه مسافرون خارج مصر، فعمل في إحدى شركات البترول والتقى أم نجليه حسام ونادية، ثم اختار له القدر السفر إلى لندن بعد إنهاء دراسته في كلية الاقتصاد والإدارة، ومزاملة العقيد معمر القذافي الذي كان يدرس التاريخ في كلية الآداب، ثم عاد إلى مصر والتحق بالسلك الدبلوماسي بعد نجاحه في اختبارات الخارجية المصرية، وحصل بعد نجاحه على دورة تساعده في اتخاذ التدابير الأمنية.

سافر الأنصاري إلى لندن مرة أخرى وشغل منصب مسؤول عن جمع المعلومات في الشأن الإسرائيلي، حربياً واقتصادياً وتعليمياً، فأبلى فيه بلاء حسنا، وغامر وحضر معرضاً إسرائيلياً في لندن متخفياً بشخصية أحد الإسرائيليين، وساعدته إجادة العبرية في إحكام الدور ومشاهدة موشيه ديان.  كذلك سرد ذكرياته مع نائب رئيس مصر حينها حسني مبارك الذي كان يبدأ يومه، أثناء زيارته لندن، بلعب الإسكواش مع أحد مساعديه.

سفير مصر في إسرائيل

في عام 1981، بالتزامن مع تولي مبارك الحكم، استدعاه سفير مصر لدى لندن عصمت رضا وعرض عليه أن يكون سفير مصر لدى إسرائيل، مع أول حركة تنقلات، لكنها تأجلت، ما دفعه للذهاب لأداء العمرة بالسعودية، فعمل والده أستاذاً في جامعة الملك عبد العزيز آل سعود الذي أرسل له رسالة كتابية مكونة من 8 صفحات مكتوبة بالإنكليزية، يحذره فيها من العمل في إسرائيل، إلا أن الأنصاري وافق، ما تسبب له في خلافات أسرية طلبت على إثرها زوجته الطلاق، اعتراضاً على عمله بإسرائيل ورفضها له.

تجنيد العملاء

ذكر أن إسرائيل تجند العملاء عن طريق عرض وظيفة على العرب، عمل تجاري أو ملاحي، أو العمل لحساب الناتو أو الـ «CIA» وكالة الاستخبارات الأميركية، بينما إذا كان العميل أجنبيا فيكون العرض صريحاً بالعمل لصالح الموساد، وتركز على صفات بعينها في العميل، من بينها أن يكون طموحاً، مطيعا للأوامر من دون نقاش، كذلك تركز على المهن التالية: رجال الأمن في الشرطة أو الجيش، العاملون في الصحافة والإعلام وكبار موظفي الدولة.

وكشف أنه فوجئ بمعرفة إسرائيل بيانات الطيارين العراقيين والمصريين، بشكل دقيق جداً، فضلا عن أقاربه وحالتهم الاجتماعية، واستند إلى واقعة نجاح الموساد في تجنيد طيارين مصري وعراقي، وانتهى الأمر بإعدام السلطات المصرية الأول بعد محاكمته، ولم يذكر نهاية الشخص الثاني.

شرع الدبلوماسي المصري طريقه إلى إسرائيل منفرداً، في أوائل الثمانينيات، بعدما اتفق على الطلاق مع زوجته، مستقلا سيارة شيفروليه حصل عليها من صديق له، واستلم غرفته في أحد الفنادق بإسرائيل وأقام فيها. وعندما جاء احتفال إسرائيل بالعيد القومي الموافق 23 يوليو، دعا الأنصاري، باعتباره سكرتير السفير المصري لدى تل أبيب، نظراءه الأميركيين والاستراليين والنرويجيين والبريطانيين، وحضرت رونا رتيشي التي اتهمت لاحقاً بالتجسس لصالح مصر، وإفشاء معلومات لصاحب الكتاب.

لقاءات ومراقبة شديدة

وطد الأنصاري علاقته بالبريطانية اليهودية التي كانت بمثابة عينه الثالثة {الفاحصة} على المجتمع الإسرائيلي الذي يجهله، وشرعت رونا في شرح عيوب المجتمع للدبلوماسي المصري، وتعرّفه بالشخصيات العامة الإسرائيلية  وتحذره من هذا وذاك. بدأت لقاءاتهما منفردين، إلا أنها حذرته من أن ذلك سيجعل الصحافة الإسرائيلية  تشن هجوماً لاذعا عليهما فاتفقا على اللقاء في الأماكن العامة فقط، وتحديداً في شاطئ عام، واكتشف الأنصاري أن الموساد كان يتجسس عليه في الشاطئ بواسطة كلب {جيرمان شيبرد}.

انتقل الدبلوماسي المصري إلى شقة خاصة بعدما اكتشف، بالصدفة، عن طريق متدربة كولومبية، أن كل غرف الفندق فيها أجهزة تنصت تزرعها جهات أمنية إسرائيلية تتسلم الفندق قبل الانتهاء من تشطيبه، وتتم عملية التجسس من خلال غرفة أمنية بالفندق لا يدخلها سوى رجلي أمن خلال فترة دوامهما من دون أي اعتراض أو تدخل من مدير الفندق أو العاملين فيه.

المثير أن الشقة الجديدة كانت مركزاً للتنصت ورشحها له أحد عملاء الموساد، وهي حيلة يلجأ إليها الموساد دائماً فيتعرف إلى عملائه من خلال وسطاء للعقارات، وكان الدبلوماسي على علم بوجود أجهزة تنصت، وتأكد بعد قدوم خبراء أجهزة تنصت مصريين لمسح مبنى السفارة المصرية في تل أبيب، فطلب منهم أن يكشفوا على منزله ووجد الأجهزة خلف الأريكة في الجدران.

ضربة على لبنان

رونا التي كانت مصدر معلومات الأنصاري رفضت أن تطلعه على مصادرها، وحرصت على إمداده بالمعلومات، وكانت تذهب إليه في الشقة.ولكن الدبلوماسي نوَّع معلوماته وكوّن علاقات مع ضباط في الجيش الإسرائيلي، وتحديداً زوجاتهن، من بينهن الملازم أول إيريت والنقيب يوديت. وصرح، بعد كشفه، بأنه دخل في علاقات عاطفية معهما بعد تأكده من عدم دفعهن من الأجهزة الإسرائيلية. وذكر في كتابه الصادر عن {الدار المصرية اللبنانية للنشر}، ويعرض في معرض القاهرة الدولي في دورته الـ46، أن النقيبة عرّفته، من دون قصد، على نية إسرائيل اجتياح جنوب لبنان، وربط بين فصل أحد السائقين في المكتب الحربي لطلبه إجازة في يوم محدد في فبراير ، وبين الاتصال بباقي زملائه في الجيش، لكنهم تحججوا بسفرهم خارج البلاد، ما أكد له شكوك احتمالية تنفيذ إسرائيل ضربة على لبنان في منتصف فبراير. أبلغ الأنصاري السلطات المصرية التي استعانت بالإدارة الأميركية للضغط على إسرائيل حتى تلتزم بضبط النفس.

كذلك تطرق إلى محاولة اغتيال إسرائيل للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقر حركة {فتح} (حركة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين) الذي نجا بعد تلقيه مكالمة هاتفية من أحد الرؤساء العرب.

وسرد الدبلوماسي دوره في المجتمع الإسرائيلي وكيف أصبح محبوباً، لدرجة أنه تم اختياره رئيساً للجنة تحكيم لاختيار ملكة جمال إسرائيل في إحدى السنوات، كذلك  اقترح على الإسرائيليين إنشاء جمعية للدبلوماسيين الأجانب. حتى أنه في أحد الاحتفالات الاجتماعية قبل أن يبزغ نجمه تحدث مع موشي ديان بالعبرية حول معرفة الأنصاري أحد الأشخاص يمكنه فك رموز شامبليون الموجودة على الأثر، وما دعا ديان إلى الكشف عن أسرار امتلاكه آثاراً مصرية حصل عليها بعد تنقيبه في سيناء في الفترة من 1967 حتى 1973.

جاسوس مصري

وقع الخبر الصاعقة على مسمع الدبلوماسي بعد إعلان بريطانيا القبض على رونا بتهمة التجسس لصالح مصر، وفقاً لما أبلغتها به إسرائيل. الأنكى أنه متهم بكونه جاسوساً مصرياً يعمل في إسرائيل، ما جعل الصحافة الإسرائيلية والبريطانية تدخلان معاً في حملة شرسة ضده ورونا. فحذَّر الجميع في التعامل معه ورفض الخروج من إسرائيل، كونه ليس جاسوساً ولم يكلف من جهاز المخابرات المصري بأي مهام.

إثر ذلك كشف السفير المصري لدى إسرائيل حينها سعد مرتضى أن الأخيرة اتهمته بالتجسس بعد قبض المخابرات المصرية على السكرتير الأول لسفير إسرائيل لدى القاهرة بتهمة تزعم شبكة تجسس داخلية. إلا أن السلطات المصرية تأخرت في الإعلان عن ذلك لوسائل الإعلام، ما دفع إسرائيل للقيام بخطوة استبقاية للتكتم على الأمر، ثم أخبره السفير المصري بضرورة عودته إلى مصر سراً، بحسب تعليمات السلطات في العاصمة المصرية.

قرر الأنصاري الاستعداد للهروب من إسرائيل في سياق أشبه إلى البطل المخابراتي المصري رأفت الهجان، وفي 31 مارس تحت عنوان {آخر يوم في تل أبيب}، ضمن فصول الكتاب التسعة، سافر عبر خطوط «سيناء للطيران»، وكانت على متن الطائرة، في حركة أمنية لطمأنته، مضيفة مصرية حملت بطاقة مكتوب عليها «من مصر ومن مصر للطيران لابن مصر البار تقديراً لما قام به من أعمال»، وسلمتها له وهو ما هز وجدانه كثيراً، كذلك سلمته بطاقة أخرى فيها رقمها وهاتفها وطلبت منه لقاءها بعد أسبوع ، وبعد ساعات من وصول الطائرة إلى مصر استقبلته سيارة مرسيدس سوداء، وتحدث المسؤول في السيارة إلى السياسي المصري كمال حسن، قائلاً: «الأمانة وصلت سالمة من تل أبيب».