الحيازات الزراعية... والقضايا السرابية!
ها نحن ندور في حلقة جديدة من حلقات القضايا التي أُطلق عليها شخصياً تسمية القضايا "السرابية"، لأننا في الكويت نطاردها كالسراب الذي يتبدد دون أي نتيجة، وهذه المرة القضية السرابية هي قضية تجاوزات الحيازات الزراعية، التي طحنوا فيها عدة شهور، إذ شهدت اجتماعات وتصريحات وشداً وجذباً من هذا وذاك، وفي النهاية سيكون مصيرها كعشرات قضايا المال العام التي حفظت ملفاتها ولم يُعاقب بسببها أي مسؤول، وربما في أحسن الأحوال سيقع العقاب في قضايا الفساد على مشارك صغير أو تابع لمتنفذ أو مسؤول. فمنذ قضية "سانتافي" قبل أكثر من ثلاثين عاماً إلى شراء أسهم "بريتش بتروليم"، والاستثمارات والناقلات، وصفقات الطائرات وقطع غيار "الكويتية" التي كتبت عنها الصحف الإيطالية، وصفقات "الربيان والخس" والمدفع الصيني، وفساد المناقصات، وعدم إنجاز الملاعب والمستشفيات والشوارع التي تُبنى بالمليارات، وإلى قضية الداو والإيداعات، منذ كل هذه القضايا وحتى آخرها، فهل رأينا سياسياً أو مسؤولاً واحداً خلف القضبان، وتمت مصادرة أمواله التي جناها من منصبه والفساد، أو تمت مساءلة رئيس مؤسسة حكومية سابق من أين لك هذه الملايين التي تبني بها المجمعات الضخمة والفنادق الشاهقة؟!
الواقع أنهم سيشغلوننا بلا فائدة عدة أسابيع بالتصريحات و"العنتريات" تجاه الحكومة والوزير المعني بهيئة الزراعة، وتحذيره وترهيبه بالمساءلة السياسية دون طائل، في برلمان نزعت مخالبه بعد ممارسات رفع محاور الاستجوابات، وأصبحت غالبيته موالاة، وغالباً فإن أي نزاع حكومي- برلماني حول كشف بيانات تخص الأفراد تربحه الحكومة في ساحات القضاء، لذا فإن مطالب لجنة التحقيق البرلمانية وبعض النواب بكشف أسماء الذين حصلوا على حيازات زراعية لن تتجاوب معها الحكومة، وهو قرار أعتقد أنه أكبر من الوزير د. علي العمير، بل هو قرار حكومي يجب أن يتخذ من أعلى المستويات.في الكويت ملاحقة قضايا الفساد والتكسب من المنصب أصبحت بالفعل قضايا سرابية، لا يمكن أن تصل إلى نتيجة أو تُعاقب أحداً على مستوى قيادي حكومي أو سياسي أو متنفذاً أو حتى محسوباً أو محمياً من طرف من الأطراف السابقة، وأعلى مستوى يمكن محاسبته هو موظف زوّر إقامة لوافد أو أمين صندوق في جهة حكومية اختلس مبلغاً من خزينته، لذا فإننا اليوم ننتظر الرجاء الأخير لنا، وهو أن تبدأ هيئة مكافحة الفساد مزاولة أعمالها لنرى إن كان هناك بارقة أمل تُنهي حالة "السرابية" في محاربة الفساد والتصدي له في الكويت أم سيظل الوضع على ما هو عليه. *** النائب المخضرم السيد عدنان عبدالصمد هو عضو برلمان خبير منذ نحو 35 عاماً، مر خلالها بمراحل وحقب سياسية مختلفة، وهو اليوم غير النائب عبدالصمد في تسعينيات القرن الماضي وحتى مجلس الأمة 2003. المهم أن السيد عبدالصمد لم يبقَ منه سياسياً سوى التصريحات عن الميزانيات وديوان المحاسبة المتكررة منذ 5 سنوات، والتي أصبح لا مجال لقراءتها فهي كلها تنص على "... واجهنا الجهة الحكومية الفلانية بملاحظات ديوان المحاسبة ووعدونا بمعالجتها وعدم تكرارها"! وفي العام التالي يتكرر نفس التصريح، أو أن النائب عبدالصمد يخرع الكويتيين بتصريحات "... العجز في الميزانية العامة سيزيد إذا...". السيد عدنان أصبح متعهد الميزانيات والحسابات الختامية بلا جديد يقدمه أو يضيفه، وفي هذه الحالة فإن على السيد التفكير جدياً في الاعتزال بفخر إنجازات الماضي أفضل من البقاء واستهلاكها في المراوحة في الحاضر.