صفيح الحرية
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
والتجربة التي يعيشها البدون في الكويت تحديدا تحتاج الى السرد بذات القدر الذي تحتاج فيه الى الشعر. فالأخير دون شك يتميز بقدرته على التأثير المباشر على المتلقي، يسعفه في ذلك المنبر الذي يستطيع أن ينطلق منه مباشرة ويعتمد على تكثيف الحالة الاغترابية، أما السرد فهو تسجيل تفصيلي ومسهب في الحالة. ليس ذلك الفرق هو ما يخلق الشاعر هنا ويمنع السارد هناك، ولكن ذلك ما حدث دون حاجتنا لتفصيل أسبابه الآن. قدم الشعر دورا كبيرا في معاناة البدون وتجاربهم الخاصة وأخذ طريقه الى العام الانساني بتدرج منطقي ومعقول. صاحبة هذه التجربة شاعرة أيضا ولكنها، بقصد أو بغيره، اختارت السرد طريقا لعوالم التشظي والاغتراب مانحة المكان فرصته ليكون بطلا رديفا ومهما في التجربة التي حملت المكان عنوانا منذرا بأحداث روايتها القصيرة، دون أن تتخلى عن الشعر الذي حاولت منحه الفرصة للتواجد في نهاية كل فصل دون أن يلعب دورا يلعبه الشعر عادة بشكل مستقل فيما سبق."صفيح" هي التجربة الأولى لهنادي الشمري وربما هي التجربة السردية الأولى لكاتبة من البدون عاشت وضعها الدرامي واقعا أولا ناقلة صور الأجيال التي عاصرتها ما أمكن في هذه التجربة المبشرة. تختار بطلها شابا للابتعاد عن استحالة ما يمكن أن تكون عليه بطلة تماثلها تقيدها الحالة السياسية أولا وتضاعف قيودها الحالة الاجتماعية لمجتمع قبلي يحد من امكانية حركة منطقية لأنثى خارج محيط الدائرة الضيق.ما يميز التجربة هو رصد الأمكنة المهاجر منها ودقة تصويرها. ومنذ الصفحة الأولى للرواية "في غرفة صفيح مربعة خلف المنزل مساحتها 3*3 أمتار يتمدد سعدون على سريره متعبا بعد يوم عمل حار جدا في محل (البنشر) والكهرباء". هكذا يبدأ المكان البطل الحقيقي في الاطلالة الأولى دالا على ضيق المساحة التي يمكن للبطل المسمى بداية في الحركة أو امكانية التحرر. وهو المكان الذي استطاع الخروج منه كمن ينتقل من وهم الى وهم. في لندن أيضا لا تكون الحياة ممكنة الا في غرفة ضيقة أيضا أما فيما بينهما فليس هناك أكثر من الحرية. الحرية التي كان سيقبل بها في مكانه الصفيح الأول لو تحققت."صفيح" تجربة قصيرة ولكنها مبشرة بكاتبة عليها أن تصارع الشعر لتكتب للسرد الذي سيحتاج لأمثالها كثيرا.