من المبتذل أن نصف إيران بأرض المفارقات. قد تقولون إنكم تفهمون معنى ذلك. إنه مكان معقد، لكن جميع الأماكن تُعتبر معقدة عند التدقيق. مع ذلك، تبرز تعقيدات إيران على نحو لافت: أكثر من أي بلد آخر في العالم، يبدو هذا البلد ممزقاً بين الهويات والطموحات المتناقضة حتى التاريخ المتناقض، حيث يشمل مجموعة متنوعة من الانتماءات الإثنية. إنه بلد من الشرق الأوسط وتتقاسم لغته في جذورها نقاطاً مشتركة مع اللغات الأوروبية لا العربية أو العبرية.

Ad

جون ألين غاي يقدم عرضاً لكتاب {مدينة الأكاذيب: حب جنس موت، والبحث عن الحقيقة في طهران City of Lies: Love, Sex, Death, and the Search for Truth in Tehran (PublicAffairs)، بقلم راميتا نافاي.

قادة إيران من أقوى الخصوم لإسرائيل والولايات المتحدة، مع أن إيران تشمل يهوداً أكثر من أي بلد مسلم آخر، وتسود فيها مواقف شعبية إيجابية تجاه الولايات المتحدة أكثر من الدول المجاورة لها.

كانت إيران إمبراطورية عظيمة ولكنها أحد أبرز ضحايا تلك الإمبراطوية في الوقت نفسه. إنها بلد شيعي لكنه حقق أعظم إنجازاته في عهد حكام سُنّة وغير مسلمين. تتماسك حكومته بفضل التديّن والفساد في آن.

تسود مفارقة بارزة، أيضاً، في قلب الجمهورية الإسلامية. كانت الثورة التي أنشأت تلك الجمهورية تتسم بجانب محافظ جداً. كسب روح الله الخميني في البداية سمعة عدائية بسبب رفضه الإصلاحات المعاصرة التي فرضها الشاه في بداية الستينيات. شمل حلفاؤه الأوائل رجال دين تقليديين وأصحاب أراضٍ غاضبين بسبب فقدان امتيازاتهم. في لغة الثورة الفرنسية، يمكن القول إن الخميني وحلفاءه كانوا جزءاً من {النظام القديم}. إذا أخذنا بالاعتبار تجار المدن المتدينين الذين انضموا إلى المشهد العام وإذا تذكرنا جميع اليساريين الذين قضى عليهم الخميني بعدما ساعدوه على تدمير الشاه، يبدو جوهر الثورة رجعياً. يميل الإسلام السياسي عموماً، والجمهورية الإسلامية خصوصاً، إلى طرح نفسه كبديل للعصرنة، أو حتى كنوع من الرد عليها.

لكن يبرز أيضاً جانب ثوري متطرف وقوي. تم إسقاط نخبة النظام الملكي، فذهب أعضاؤها إلى المنفى في لوس أنجلس أو لندن أو ظهرت ألواح قبورهم أمام الكاميرات بعد قتلهم رمياً بالرصاص. فنشأت نخبة ثورية جديدة ترتكز بشدة على طبقة حاكمة تكوّنت منذ فترة طويلة في الخارج. أعلن النظام الجديد دعمه لفئة {المحرومين}، وقد كان تدخله في الاقتصاد كفيلاً بإيصال أسمائهم إلى فنزويلا في عهد محمود أحمدي نجاد.

على صعيد آخر، يبدو الخطاب حول السياسة الخارجية الإيرانية (أقوال من دون أفعال في أحيان كثيرة) متطرفاً بقدر خطاب الشيوعيين الأوائل. شعر قادة الجمهورية الإسلامية بالبهجة عند انطلاق الربيع العربي (سمّوه {الصحوة الإسلامية})، وقد اعتبره آية الله علي خامنئي {فصلاً جديداً من تاريخ العالم}. هم يدعون إلى نشوء وحدة إسلامية وينادون بتغيير النظام الاستراتيجي في الشرق الأوسط: {اليوم، يبدو وجود الولايات المتحدة أكثر أهمية من جميع المشاكل الأخرى في العالم الإسلامي. لا بد من حلّ هذه المشكلة. إنه أمر ضروري لدفع الولايات المتحدة إلى خارج المشهد العام. إنه ضروري لإضعافها، وهي ضعفت أصلاً لحسن الحظ». كذلك، تحظى انتفاضات متطرفة أخرى بدعم طهران: كان القائد الأعلى أحد أبرز المعجبين بحركة «احتلال وول ستريت».

من وجهة نظر المتطرفين، تقع إيران ضمن نظام دولي تسيطر عليه مظاهر الاستغلال الأميركي وقوة المصالح المالية {الصهيونية}. يعجّ محيطها بالأنظمة المناوئة لها والقواعد العسكرية الأميركية و{نظام يحتل القدس}. على الساحة المحلية، تشمل الجمهورية الإسلامية أنواع العلمانيين والليبراليين والمتطرفين من مختلف الفئات، فضلاً عن كل من يسعى إلى التوافق مع الغرب. (يُقال طبعاً إن أجهزة الاستخبارات الغربية تحرك خيوط اللعبة). وكلما قدمت إيران تنازلات، يستخف بها الغرب ويطلب المزيد. لكن تبرز وجهة نظر المحافظين في هذا المجال أيضاً: تجد إيران صعوبة في الحفاظ على {الديمقراطية الإسلامية} كخيار بديل عن الديمقراطية الليبرالية، فهي تعارض، كما يقول خامنئي، نشوء عالم {يخلو من القيم الأخلاقية والمشاعر الإنسانية، بل إن [الديمقراطيات الليبرالية] تهين نفسها. الأمر الوحيد الذي تفكر به هو المال ومضايقة الغير}.

تطرف أم تحفظ؟

عند التدقيق في خطابات خامنئي، يتضح أن القادة يشددون غالباً على مقاربة الدفاع والرد الانتقامي بدل إطلاق تحركات ثورية.

لذا من الضروري أن يحدد الغرب ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية أكثر تطرفاً أو تحفظاً. سيكون السلام الدائم مع إيران المتطرفة حلماً بعيد المنال: يمكن أن نتوصل حصراً إلى تسويات تكتيكية وأن نتمنى حصول تغيير مستقبلي. ستتجدد المواجهات التي طبعت حقبة أحمدي نجاد، وستعود الاعتداءات الإرهابية الدولية الكبرى التي دعمتها الجمهورية الإسلامية في بداياتها.

في المقابل، يمكن دمج إيران المحافظة ضمن المجتمع الدولي بوتيرة بطيئة. في بعض الأوقات، قد يتابع الغرب السعي إلى احتواء نفوذها. لكن في أوقات أخرى، سيتقبّل نفوذ إيران كمصدر محتمل لفرض النظام. ستكون العلاقات المستمرة والبناءة (مع ضمان ازدهار أكبر للجميع) ممكنة.

لكن تحتل مسألة تحديد طبيعة إيران الحقيقية أهمية كبرى بالنسبة إلى المواطنين في إيران. هل ستسعى الجمهورية الإسلامية، بطريقة متطرفة، إلى ترسيخ الثقافة الموحدة والتوجه نحو مجتمع اصطناعي جديد؟ أم أنها ستتبع مقاربة محافِظة وتسعى إلى حماية وترسيخ أشكال تقليدية إضافية نجدها على الأراضي الإيرانية؟ هل سيكون تحرك الدولة الحاسم على الجبهة الثقافية ممكناً أصلاً إذا كانت الدولة مرتبكة والثقافة تتحرك سريعاً في اتجاهات جديدة ومتعددة في آن؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، لا يكفي تصفح أحدث تغريدات للقائد الأعلى. بل سنحتاج إلى معرفة مواصفات إضافية عن المجتمع الإيراني بدل الاكتفاء بما يظهر كل بضع سنوات في المكتبات الغربية من كتيبات سفر عن الملالي ومراكز التسوق. لكننا سنحتاج، أيضاً، إلى ما يكفي من العمق لرؤية الاختلافات داخل هذه الثقافة المعقدة. هذه العناصر متوافرة في كتاب {مدينة الأكاذيب: حب، جنس، موت، والبحث عن الحقيقة في طهران} (City of Lies: Love, Sex, Death, and the Search for Truth in Tehran)، وهو عبارة عن زيارة موسّعة للبلد برفقة أشخاص من عاصمة إيران الشاسعة، بقلم مراسلة صحيفة {تايمز أوف لندن} السابقة في طهران، راميتا نافاي.

تلقي نافاي نظرة فاحصة على حياة ثمانية مواطنين مختلفين جداً من طهران، لكن تربطهم مسافة 11 ميلاً في شارع ولي العصر، وهي جادة تصطف على أطرافها الأشجار وتربط بين الأثرياء شمالاً والطبقة العاملة جنوباً. تترك نافاي أبطالها يديرون أحداث القصة، فتجعل نفسها غير مرئية تقريباً وتنتقل بسلاسة بين الماضي والحاضر قبل أن تعود إلى الماضي مجدداً.

خليط شخصيات

يوفر الكتاب تجربة إيقاعية وترفيهية. لكنّ الخليط المدهش من الشخصيات وعدم التركيز على مشاكل إيران الخارجية يجعلان كتاب {مدينة الأكاذيب} قيّماً جداً. سنقابل قاتلاً فاشلاً كان يعمل مع مجموعة {مجاهدي خلق} السيئة السمعة والمعادية للحكومة، فضلاً عن أم وابنتها تواجهان مشاكل بعد فشل زواجهما والاضطرار إلى التعامل مع أعباء الطلاق.

سنقابل، أيضاً، شاباً يواجه القاضي الذي أمر بإعدام والدَيه خلال حملات القمع في أواخر الثمانينيات، لكنه يسعى الآن إلى الغفران إلى جانب مهرّب للأسلحة. تهرب امرأة من زوجها الخائن وتحاول تدبر أمرها بنفسها، لكنها تعجز عن استئجار مكان للإقامة، فتتورط في عالم التعري وتقابل عملاء رفيعي المستوى (من بينهم {رجل دين معروف} وقاضٍ كانت قد قابلته للمرة الأولى في جلسة الحكم الخاصة بها)، ثم تبدأ بالظهور في الأفلام الإباحية لكن سرعان ما يُقبَض عليها وتُعدَم.

نقابل، أيضاً، شاباً متديناً جداً يعمل كعميل للنظام نهاراً، ولكنه يبحر في مغامرات ليلاً. يواجه رجل مافيا مسِنّ مشكلة الإدمان على الهيروين ويدير صالة قمار تحت الأرض، لكنه لا يخشى إلا زوجته وهي راقصة سابقة (كلاهما متديّن جداً!). على صعيد آخر، تشعر سيدة ثرية ومرموقة بالغضب من ضوابط الجمهورية الإسلامية فتنتقل إلى لندن، لكنها تعود بعد بضعة أشهر: طهران، بكل عيوبها، هي المدينة التي يحبها قلبها.

تستحق نافاي إشادة واسعة لأنها جمعت هذا الكم من الأبطال استناداً إلى عمل صحافي جدي، مع قليل من النواحي الفنية. لا تُذكَر أسماء معظم شخصياتها، علماً أن بعضهم يمثل أشخاصاً متعددين. كان الحوار مستوحاً أحياناً من محادثات متداولة في أحياء الشخصيات وليس من الأشخاص نفسهم.

يصعب أن نناقش هذا النهج، نظراً إلى التفاصيل الحميمة المذكورة عن الشخصيات والخطر الذي يمكن أن يواجهه الأفراد والضوابط التي تعاملت معها الكاتبة (سُحبت بطاقة نافاي الصحافية في عهد خاتمي وقد تعرضت لاستجواب مكثف على يد {ضباط استخباريين} لم يتم التعرف إلى هويتهم). عدّلت في القصة مرة فقط، حين ألمحت إلى أن شنق فتاة الهوى التي تحولت إلى نجمة أفلام إباحية نُفّذ حديثاً، لأن الفيديو الذي يجرّمها صُوّر على جهاز {آي فون}، لكنّ ما حدث على أرض الواقع أن المرأة رُجمت عام 2001. غالباً ما يعتبر الغربيون أن منفذي عمليات الإعدام هم مقياس للظلم في الجمهورية الإسلامية. لكن تكثر الإشاعات والحِيَل لأن آيات الله وأعداءهم يحاولون التلاعب بآراء الناس. لذا تُعتبر الدقة العالية بالغة الأهمية.

تفاصيل دقيقة

تقدم لنا التفاصيل الاجتماعية الدقيقة الواردة في كتاب {مدينة الأكاذيب} لمحات عن الثقافة الغنية التي يقمعها الاستبداد الديني وفوضى العصرنة على حد سواء. نجد فيه مواد كافية جداً لتحدي المفهوم القائل إن الجمهورية الإسلامية هي قوة محافظة تساعد التقليديين في المجتمع على حماية نفسهم من الانحطاط العلماني الذي يطبع الغرب وأعضاء النخبة.

تواجه تلك التقاليد المتنوعة (بعضها أقدم من الإطار الفكري للثورة الإسلامية) ضغوطاً كي تصبح مشابهة لتلك التي يفضلها الحكام. يتحول بائع إلى عامل في كازينو وسرعان ما يصبح رجل عصابات يشبه عناصر المافيا الأميركية، {فيكون شهماً وغير عنيف ويُظهِر مشاعر التعاطف واللياقة}. يكون هؤلاء الأشخاص متورطين في الجرائم، لكنهم {يطعمون مئات الفقراء خلال الاحتفالات الدينية}. كان هؤلاء الرجال متدينين إنما بطريقة غير مألوفة، كما يحصل عند تقاطع نوعين قويين من التقاليد: {رسم {أصغر} وشم يُظهر وجه الإمام على ظهره}. وحين تجادل الشاه مع الخميني، كان أعضاء العصابة لا يحبذون الوقوف ضد آية الله الذي يتكلم عن العدالة الاجتماعية. لذا نزلوا إلى الشوارع}. لكن بعد الثورة، {لم يكن تفسير رجال العصابات الليبرالي لدينهم شبيهاً برأي الإسلاميين عن مواطنيهم. كان يمكن أن توصلهم نسختهم من الإسلام إلى السجن أو أسوأ}.

طاهرة ومرتضى

نشاهد نمطاً مماثلاً مع طاهرة، تلك المراهقة التي اعتُقلت وطُردت من مدرستها ونُبذت من زملائها بعد مشاهدتها في منزل صبي. كانت زيارة طاهرة تحمل مخاطرة ثقافية مع أنها بريئة، لكن لم تنجح عائلتها يوماً في التكيف مع الحي التقليدي الذي انتقلت إليه قبل سنوات. كان والداها {متدينَين وتقليديَين، لكنهما قَدِما من قرية ليبرالية حيث يحتفل الرجال والنساء بالأعراس معاً، وحيث كان النقاب أبيض اللون ولا مشكلة إذا انزلق الحجاب عن الرأس}. ظن والدها أن الحجاب {يجب ألا يكون إلزامياً بل إنه خيار شخصي، كما أن العلاقة مع الله شخصية... ظن أن العصرنة لا تتناقض مع الإسلام}.

يصعب تقبل هذا النوع المختلف من النزعة التقليدية التي تُعتبر قديمة ومترسخة. تعلّم والدها سريعاً أن يحتفظ بآرائه لنفسه حين يكون خارج المنزل. حين ذهب يتوسل الشرطة لإطلاق سراح ابنته، {سخر حراس التقاليد من لكنته القروية وعاملوه بفوقية وكأنه فلاح بسيط}، فقالوا له إن ابنته كانت لِتُرجَم {في القرية التي أتت منها}. لم يدركوا أن {الحياة في قريته الشمالية لم تتغير كثيراً منذ الثورة، بل أصبحت أكثر ليبرالية من القوانين التي فرضتها الشرطة في طهران}. لا تكون جميع التقاليد مقبولة تحت راية الجمهورية الإسلامية.

لا يمارس النظام الضغوط على الأشكال الليبرالية من التقاليد حصراً. سنقابل في القصة مرتضى، عنصر من عصابات النظام الخفية وهو يشارك في احتفالات عاشوراء الدموية. يضرب 40 رجلاً أنفسهم بسلاسل ويجرحون نفسهم لإثبات تديّنهم. {كان جلد الذات بعنف، حيث يكون الدم مؤشراً على حب الحسين، جزءاً من ثقافتهم، وهو تقليد كان يمارسه أجداد آبائهم}. لكن {كانت الأبواب مقفلة والستائر مسدلة} لأن عرض عاشوراء سري وهو بعيد عن الأنظار منذ أن منعت الدولة إراقة الدم خلال الاحتفالات، باعتبار أنه سلوك همجي ومتعصب}. غادر مرتضى الاحتفال لمقابلة {جمهور رسمي وأكثر هدوءاً في احتفال عاشوراء... اصطف الرجال بالقمصان السوداء وراحوا يضربون نفسهم بهدوء بسلاسل حادة وكان نظرهم يقع على النساء... إنها نسخة معدّلة من الاحتفال الحقيقي}.

 

نزعة محافظة

أفضل ما يمكن قوله عن الجمهورية الإسلامية إذاً هو أنها تمارس شكلاً وضيعاً من النزعة المحافظة. لا يتعلق الأمر بحماية المجتمع الإيراني التقليدي من شوائب العصرنة أو من الضغوط الثقافية والاقتصادية الآتية من الغرب، بل باستعمال القوة والقمع للهرب من هذه الضغوط، بدل تطبيق إصلاحات حذرة وتأخير التحركات التي تغير مسارها والتمسك بما يمكن حمايته. كل ما يفعله الملالي الذين اصطدموا بعالم متغير هو متابعة سباتهم. تكمن المفارقة في واقع أن النزعة المحافظة في إيران يُفترض أن تكون سهلة نسبياً نظراً إلى الفخر الوطني الشديد والإرث القوي، كما أن البلد لم يعد ساحة للإمبراطوريات المتخاصمة.

لكن ثمة مفارقة ثانية في مسار الجمهورية الإسلامية: من خلال تحويل الإسلام الشيعي (بمثابة مؤسسة مستقلة وأداة للمعارضة في تاريخ إيران المعاصر) إلى رمز سياسي، أعطوه طابعاً مبتذلاً وسببوا استياءً متصاعداً. ذكرت إحدى الشخصيات في كتاب نافاي أن {شريحة واسعة} من الشباب {بالكاد تقصد المسجد}.

يجد النظام صعوبة في تحسين أعداد الحاضرين في مؤسساته التأسيسية. وبالكاد أثبت الأشخاص الذين وصلوا إلى مراتب العليا (أي جنود المشاة التابعون للنظام والقادة برتب متوسطة) إنهم حكام جديرون بالثقة: {وقحون وغريبون ببذلاتهم القبيحة وسلوكهم الفظ الذي يتماشى مع تعليمهم الإسلامي المتدني المستوى}.

من المستبعد أن ينجح هؤلاء الرجال في الحفاظ على إيران أو استعادة عظمتها الغابرة. أفضل أمل لدى إيران أن يفشلوا في إعادة ابتكار البلد بصورته الرجعية. وحين ينظر العالم يوماً إلى إيران، فلن يشاهد هؤلاء المهرجين، بل المجتمع الذي تصوّره نافاي والذي يتسم بتنوع مدهش.

لا يبدو مرتضى محقاً حين يعتبر أن ممارسات عاشوراء التي يطبقها تكون أكثر صدقاً: يحمل عدد كبير من أتباع قادة شيعة آخرين عدا الخميني وخامنئي (مثل آية الله علي السيستاني) نظرة سلبية عن الاحتفالات الأكثر دموية. لكن يصعب أن تمنع الدولة ممارسة دينية {محافِظة} ومترسخة بعمق، لا سيما إذا كان الممارسون من المدافعين الأوفياء عن الدولة. كذلك، يمارس النظام الضغوط على أقليات دينية تحمل معتقدات تتناقض مع الجمهورية الإسلامية ومؤسسيها (البهائيين) أو حتى مع الإسلام نفسه (المسيحيون، اليهود، الزرادشتيون). يا لها من نزعة محافظة!

لا ينم هذا التوجه نحو البساطة الاجتماعية والالتزام بالمعايير السائدة ومعاداة التنوع الثقافي السليم عن نزعة محافظة. لكنّ تاريخ هذه النزعة طويل في إيران، وهو تاريخ يرفض آيات الله الارتباط به (كانت إصلاحات الستينيات التي أغضبتهم بشدة جزءاً من ذلك التاريخ أيضاً). كان قادة الجمهورية الإسلامية واثقين من أنهم تجاوزوا الماضي. لكنهم لم يتعلموا من أخطاء أسلافهم العلمانيين. كل من حاول إحداث تحولات كبرى في إيران أساء إليها، وذلك على حساب مركزه أو حتى حياته.