ترتبط مسيرة كل ملك أو قائد أو زعيم بمكان وزمان، فهي نتاج المكان الذي تبوأ فيه سدة الحكم أو القيادة أو الزعامة، وهي صنع زمن بعينه يؤثر فيها وتؤثر فيه، ولكن سيرة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود تخطت المكان والزمان اللذين نشأت فيهما وتركت بصماتها على صفحتيهما، لتترك بصماتها في كل مكان من كمبوديا إلى القرن الإفريقي، ولتظل مسيرة هذا الملك حكاية يرويها جيل بعد جيل، ليصبح ملحمة مسيرة الخير والعطاء والحكمة والحصافة في وزن الأمور، والبدر الذي يضيء في الليلة الظلماء، ورمانة الميزان عندما يختلف الأشقاء، والبوصلة الصحيحة في طريق محفوف بالأشواك والتحديات، وليس مفروشا بالورود والرياحين.

Ad

بصمات في شؤون الحكم

فقد أدرك الفقيد الراحل منذ أن باشر شؤون الحكم في المملكة العربية السعودية في عام 1995، إثر المرض الذي عاناه الملك، فهو بن عبدالعزيز قبل تنصيبه ملكا على البلاد في أغسطس 2005، أن التطور هو سنة الحياة، فكان صريحا وشجاعا في مواجهة أنظمة الحكم العربية عندما أعلن في خطاب له قبل خمسة أعوام أن على جميع الحكام في الوطن العربي إصلاح أحوالهم ومؤسساتهم الحاكمه، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وبدأ بنفسه ووطنه، في توسيع صلاحيات مجلس الشوري، لتوسيع المشاركة الشعبية في الحكم من الكفاءات التي تزخر بها البلاد، حيث دخلت المرأة لأول مرة مجلس الشورى، وتولت كثيرا من الوظائف القيادية في المملكة.

البيت الخليجي

وإدراكاً من جلالته لهموم الوطن العربي والعالم الإسلامي في مواجهة التحديات الدولية والإقليمية والمحلية، وتوحيد الصف في الحرب المقدسة على الإرهاب، والتي يدعونا إليها ديننا الحنيف، دعا جلالته في القمة الخليجية المعقودة في الرياض عام 2011، إلى تطوير مجلس التعاون الخليجي، ليصبح اتحادا يضم دول المجلس، فهو اتحاد نابع من عقيدة واحدة تجمع شعوبه وتماثل التكوين السياسي والاجتماعي والسكاني، وليكون رافدا أساسيا للعمل العربي المشترك بعد مسيرة طويلة للمجلس منذ إنشائه في عام 1981 قبل أربعة وثلاثين عاماً من العمل الخليجي المشترك.

واستطاع بحكمته أن يلمّ الشمل بين دول مجلس التعاون عندما كاد العقد أن ينفرط، بعد أن قامت السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر، إثر الأزمة التي نشبت بينها، ودعا إلى قمة استثنائية في الرياض في نوفمبر الماضي قدم خلالها خارطة طريق للتعاون المشترك لحماية أمن دول الخليج واستقرارها، وهي المصالحة التي تبناها وعمل على إنجاحها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت.

دعمه لمصر في حربها ضد الإرهاب

ولا ينسى المصريون أبدا دعم خادم الحرمين الشريفين لمصر وشعبها في ثورته التصحيحية في 30 يونيو 2013، والذي حفر اسمه في قلوب المصريين جميعا، فقد كلف الدبلوماسية السعودية بتكثيف نشاطها في كل دول العالم لدعم الإرادة المصرية ومواجهة كل محاولات الهيمنة على مصر وشعبها، ولا ينسى المصريون مساندته لمصر حتى تتعافى من أزمتها الاقتصادية، فقد وضع إمكانات السعودية كافة لخدمة الاقتصاد المصري، وتوفير كل السبل اللازمة لمساندة حركة التنمية والاستثمار في مصر ومساعدة المصريين على الخروج من عنق الزجاجة واجتياز المرحلة الانتقالية بسلام.

إنجازات لقائد عظيم في بلده

في مشروعاته العملاقة التي يتصدرها إنجازه في خدمة الدين الحنيف وفرائضه وشعائره، استحق بجدارة أن يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، بأكبر توسعه على مدار التاريخ للحرمين الشريفين، فأنفق عليها ودعمها كي يرفع العناء والمشقة عن الملايين من زوار بيت الله الحرام من كل أرجاء المعمورة، ولكي تفي بكل احتياجاتهم، وكذلك مشروع سقيا زمزم، ومد شبكة القطارات، منها ما تم استخدمه كقطار الحج والمشاعر المقدسة والبدء بالعمل بمد شبكة كبيرة للمدينة المنورة.

ولحرصه رحمه الله تعالى، على إعمار بيوت الله وخدمة الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض جاءت مبادرته بإعادة ترميم الجامع الأزهر، والتي تعدّ امتدادا لجهوده في خدمة القضايا الإسلامية، حيث يعتبر الأزهر بوسطيته صمام أمان من الانحراف نحو الغلو والتطرف الذي تعانيه كثير من الدول العربية والإسلامية.

واهتم بالعلم والتعليم فأنشأ جامعة الملك عبدالله  للعلوم والتقنية، وأوفد الآلاف من أبناء المملكة إلى كل بقاع الأرض في كل التخصصات ليحصلوا على أعلى الدرجات العلمية، وليعودوا إلى بلدهم محملين بما حصدوه من معرفة في كل المجالات للارتقاء به في سعيه إلى التنمية والتقدم، كما أنشا 12 جامعة كبرى في مختلف المدن بالمملكة.

وقد شهدت المملكة في عهده نهضة ضخمة في المشروعات العملاقة التي أقامها في المملكة للتنمية المستدامة تجاوزت الأهداف التي حددها إعلان الألفية للأمم المتحدة سنة 2000، إلى جانب أكبر عملية تحديث شهدتها المملكة لمواجهة التطورات والمستجدات العالمية.

وفي إطلالة على العالم الخارجي كانت الشجاعة في مواجهة العولمة، وعدم الاستسلام لضغوط الدول الكبرى سمة دائمة، وكان العطاء في حياته أسلوبا ومنهج حياة.

وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية.