الأديب فؤاد قنديل: حان وقت إلغاء وزارة الثقافة في مصر
طالب الأديب فؤاد قنديل بإلغاء وزارة الثقافة، ويرى أنه لا محل لها الآن في خضم التطورات والتغيرات التي طرأت على بنية المجتمع. وقال في حواره مع «الجريدة» إن دولة يوليو 1952 قامت بدورها في إنشاء وزارة الثقافة، وكان ذلك ضرورياً في زمنها، ولكن بعد تحوّل مصر من النظام الاشتراكي إلى الليبرالي وتطبيق سياسات السوق الحرة تصبح الثقافة مهمة المجتمع المدني والقطاع الخاص فحسب.وفيما يلي تفاصيل الحوار:
كيف تتظر إلى الرؤية الاستراتيجية للثقافة للمرحلة المقبلة؟الرؤية متكاملة، ولكني أرى صعوبة تنفيذها لافتقار وزارة الثقافة نفسها إلى كوادر قادرة على النهوض بالمهمة. تعتمد الاستراتيجة على تضافر جهود أربع وزارات هي الأوقاف والشباب والتعليم والثقافة لتنفيذها، وهذه الوزارات بحاجة إلى إعادة هيكلتها وتأهيل كوادرها، لا سيما أن التعاون في ما بينها مجرد جمع أصفار. والحقيقة أن وزير الثقافة تعجَّل في الاجتماع بالوزارات المشار إليها قبل ترتيب بيته هو من الداخل، وهذه الاستراتيجية يجب أن توضع على مستوى سيادي، لأنها أكبر من قدرات وزارة الثقافة تلك القاطرة المعطوبة التي يجب إلغاؤها، لأن الثقافة الآن، وبعد تطبيق سياسات السوق الحرة، أصبحت مهمة المجتمع المدني والقطاع الخاص، ويبقى المثقفون حراساً على الثقافة وعلى الفكر والوجدان العام، لأنهم هم الذين أطاحوا بنظام الإخوان المسلمين وأسقطوه باعتصام وزارة الثقافة، وقادرون على حماية عقل مصر وثقافتها.ماذا عن مدى صلاحية جهاز الثقافة الجماهيرية لتنفيذ هذه الاستراتيجية الثقافية الجديدة لمصر؟بحكم عملي في الثقافة الجماهيرية فأنني أؤكد أن كوادر هذا الجهاز تأتي ضدَّ الثقافة بشكل عام. من ناحية أخرى، أنا طفت ربوع الوطن كله وأدرك تماماً أننا بحاجة إلى تغيير استراتيجي يشمل الكوادر الثقافية في الجهاز من أعلى مستوى إلى أدنى مستوى، فالجهاز يضم 17 ألف موظف، فما أكثر الموظفين وما أندر المثقفين.كأن مهمة تطوير جهاز الثقافة الجماهيرية مستحيلة.لا بد أولاً من تطوير الجهاز وتأهيله ليقوم بهذه المهمة الجبارة، وأول خطوة هي تدريب كوادره كافة بحسب التخصص، وأن يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وأن يتولى المبدعون المناصب القيادية مع توفير التمويل الكافي لعملية التطوير، فالمهمة ليست مستحيلة والأمل موجود، ولكنه بحاجة إلى طاقة جبارة لتحقيقه.قدمت سيرتك الذاتية في جزأين {المفتون} و{نساء وألغام}، بمن فُتنت أيها المفتون؟فُتنت أولاً بالمرأة، وهي أمي التي كان لها الدور الأعظم في تنشئتي وتكويني النفسي والوجداني والثقافي، وكانت صاحبة رأي ورؤية، وهي التي ذهبت بي إلى السينما، ففُتنت بها، ثم فُتنت بالقراءة بعد حادثة المنشية 1954، ومحاولة اغتيال عبد الناصر الذي فتنت به أيضاً، وقبل ذلك لم أكن قارئاً للصحف، وفيها قرأت طه حسين والمازني. كذلك أحببت جداً كرة القدم ولعبتها صغيراً وشاباً.لماذا كتبت سيرتك الذاتية بعد تردد؟الحقيقة أنني لم أتحمَّس لكتابة سيرتي الذاتية ولكني وجدت فيها أحداثاً مهمة ومثيرة وارتباطاً غير مقصود بين العام وبين الخاص في سيرتي الذاتية، فقد لاحظت أن كل مرحلة من عمري واكبت مرحلة مهمة مرَّت بها مصر. مثلاً، دخلت مرحلة المراهقة مع ثورة يوليو، وفي الانفصال وفشل الوحدة مع سورية رسبت في الامتحان، وفي عام النكسة طلقت زوجتي التي كنت أحبها حباً شديداً، وهكذا.الرواية العربية، كيف تراها الآن؟الرواية العربية تتطوَّر وتشقّ لنفسها الآن طرقاً جديدة على مستوى اللغة والخيال، وبعض الروايات يصدر لشباب واعد تفوَّق على الأساتذة بما لديه من ثقافة ولغة وجسارة وعوالم وخيال، وأؤكد أن الرواية العربية تتسلَّق أشجار الخيال، وأذكر هنا الرواية الفائزة بجائزة البوكر للروائي الشاب العراقي أحمد السعداوي، رواية بديعة الخيال حقاً.هل تقرأ الروايات التي يكتبها الأدباء الشباب؟ بالطبع أقرأ كتابات شباب الروائيين، لأنهم مستقبل الرواية المصرية، وهؤلاء لديهم ثقافة وجسارة وتقنيات سردية جديدة متميزة، وأذكر منهم حمدي الجزار وطارق إمام وأمينة زيدان وأحمد عبد اللطيف وميرال الطحاوي، والتي أرى في كتاباتها إضافة إلى الرواية المصرية بما تكتبه عن المجتمع البدوي، الذي ربما يستحق اهتمام الكتاب والنقاد.ماذا عن كيمياء الإبداع وطقوسه لديك؟لا أسعى وراء فكرة، ولكني أنتظر حتى تحط هي على خاطري وتفرض نفسها فأتركها حتى تتملكني تماماً. والإبداع لدي يأتي على مرحلتين، الأولى تحضيرية شفوية، فلا أبدأ بالكتابة حتى أتشبع بها. ثم تبدأ المرحلة الثانية، أي الكتابة فتتشكَّل عوالم وتفاصيل للفكرة حتى تتبلور واضحة وتقود هي عملية الكتابة.أما عن طقوس الكتابة فأنني أتهيأ للكتابة وأتزين وأتعطر وأجلس على مكتبي صافي الذهن تماماً من أي شيء سوى الفكرة، وقبل الكتابة أشحن روحي بقراءة رواية عالمية رائعة أو ديوان شعر راق يستفزني إبداعياً ويثير غيرتي الفنية. والأهم أن أجد المفتتح للرواية، فأول جملة في الرواية هي مفتاحها.لماذا لا تحظى الرواية العربية بما نالته الرواية اللاتينية من شهرة وجوائز؟الرواية اللاتينية مأخوذة من قصص {ألف ليلة وليلة} وكتابات الرحالة أبو حامد الغرناطي. أما العرب، فلم يعرفوا الرواية إلا أخيراً، حيث كان الشعر هو ديوان العرب، فقد أفرغوا طاقاتهم القصصية في السيرة الشعبية والمقامات، وأدب الرحلات و{ألف ليلة وليلة} التي اتسمت بالنفس السردي.ما الجديد لديك؟أكتب رواية أعود بها إلى عالم الفانتازيا الأثير لديّ، والذي قدمته في {روح محبات} و{عصر واوا} و{السقف والناب الأزرق}، ولكني أتحفظ على تفاصيلها لأنها ما زالت في طور التحضير .رواية تحلم بها؟كتبت الرواية التاريخية الأولى لي {الفاتنة تستحق المخاطرة} عن عصر محمد علي، وكان الجزء الأول عن مرحلة النهضة والازدهار، وأتمنى أن أكتب الجزء الثاني عن السقوط والانكسار.المثقفون والثورةوعند سؤال الأديب قنديل عن دور المثقفين في ما يتعلق بالثورة قال إن: المثقفين هم أحد كبار صانعي ثورة يناير 2011 بكتاباتهم وأفكارهم المحرضة على الثورة ضد النظام والشباب هم الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين محققين الفعل الثوري. والتحم المثقفون والشباب معاً في هذه اللحظة الثورية حتى رحل مبارك. حتى قبل يناير. كان المثقفون يقودون التظاهرات الاحتجاجية ضد مبارك على سلم نقابة الصحافيين.وأضاف قنديل أن الظلم لا يصنع ثورة إنما الإحساس بالظلم هو الذي يصنعها وهذه مهمة المثقفين أن يُثيروا في الناس ذلك الإحساس فيثورون على الظلم.وبسؤاله هل تنبأت بالثورة في إحدى رواياتك؟ أجاب قنديل فعلاً، تنبأت بالمشهد الثوري في روايتي {قبلة الحياة} قبل يناير بسبع سنوات كاملة، وقد رفض كثير من دور النشر سواء الحكومي أو الخاص نشرها لأنني ذكرت رئيس الدولة مبارك بالاسم، وأسماء أركان نظامه. وعبر فصل كامل في الرواية، صوَّرت الأوضاع المعيشية البائسة للناس في مصر.وتابع في الفصل الأخير، خرج الشعب بأسره في ميادين مصر كافة ثائراً على نظام مبارك لينقذ مصر التي أشرفت على الموت ليمنحها قبلة الحياة".