إرث أوباما قد يرتكز على إعادة إحياء حلف شمال الأطلسي

نشر في 29-08-2014
آخر تحديث 29-08-2014 | 00:01
قد لا يتمتع أوباما بالنفوذ ليدفع بالكونغرس إلى فعل ما يريد، إلا أنه يتحلى بالسلطة لإعادة إطلاق هذا التحالف الغربي، فهو يحمل كل الأوراق، فضلاً عن أهم حجة: إذا ما عاد التحالف الغربي بتركيبته الحالية يرغب في الدفاع عن نفسه فيمكنه دوماً الرحيل، وقد يساهم هذا في شحذ الأذهان بسرعة كافية لمنح أوباما إرثاً في السياسة الخارجية قد يدوم.
 واشنطن بوست قبل وقت ليس ببعيد سألتني سيدة عن "إرث" سياسة الرئيس باراك أوباما الخارجية، وقد فاجأني هذا السؤال، وأخبرت محاورتي أن أوباما ما زال أمامه سنتان كاملتان، لذلك يُعتبر هذا السؤال سابقاً لأوانه، وبدا لي أن دهشتي فاجأتها هي أيضاً: "هل يستطيع حقاً تحقيق إنجاز كبير في سنتين فقط؟".

الجواب: نعم، يستطيع أوباما بالتأكيد إنجاز الكثير في غضون سنتين، فسنتان في السياسة تُعتبران فترة طويلة، إذ إنه قبل سنتين لم يتخيل أحد أن روسيا قد تخوض حرباً ضد أوكرانيا، وقبل سنتين كانت خريطة الشرق الأوسط مختلفة تماماً، وفي عامَي 1948 و1949 كانت السنتان كافيتين للتفكير في معاهدة شمال الأطلسي الأساسية والتفاوض بشأنها ووضعها، علماً أن هذه المعاهدة مهدت الطريق أمام تأسيس حلف شمال الأطلسي.

في غضون سنتين يستطيع أوباما إعادة النظر، وإعادة التفاوض، وإعادة كتابة معاهدة جديدة لشمال الأطلسي أو يستطيع على الأقل إعادة بناء حلف شمال الأطلسي كي يعمل ككيان حي لا كبقايا الحرب الباردة، بالإضافة إلى ذلك يستطيع أن يبدأ بتنفيذ هذه المهمة الشهر المقبل خلال قمة حلف شمال الأطلسي في ويلز.

لا شك أن الأوان قد آن ليتعاطى حلف شمال الأطلسي بجدية أكبر مع المنتسبين إليه، فلا يريد بعض الأوروبيين دفع ثمن الدفاع عنهم، ولكن ربما صار ضرورياً اليوم أن يُرغَم مَن يريدون أن تشملهم المادة الخامسة، التي تضمن أمن الدول الأعضاء في هذا التحالف، على الدفع وربما يجب إعلام مَن ساهموا بأقل من 1% من موازنتهم الوطنية أن هذا الضمان ما عاد يشملهم، بالإضافة إلى ذلك لا حاجة إلى إقامة قواعد لحلف شمال الأطلسي في الدول التي ترفض المساهمة، فيلزم أن تخصص هذه الدول الأعضاء نسباً أعلى من إنفاقها العسكري لتمويل ميزانية حلف شمال الأطلسي، وذلك كي يتمكن هذا الحلف كائتلاف من تسديد تكاليف العمليات البالغة الأهمية.

بالإضافة إلى ذلك من الضروري أن يصبح حلف شمال الأطلسي أكثر وضوحاً بشأن أهدافه، فتواجه أوروبا مسألتين أمنيتين مباشرتين: تهديد روسيا من الشرق وتهديد التطرف الإسلامي من الجنوب، ونتيجة لذلك يحتاج حلف شمال الأطلسي إلى مركزَي قيادة، يتولى كل منهما التخطيط وجمع المعلومات للتصدي لهذين الخطرين. كذلك من الضروري إعادة النظر بشكل شامل في نشر قواعد الجنود والمعدات: فإذا أردنا البدء من الصفر فعلينا أن ندرك أن لا أحد ينشر هذه القواعد في أماكن مماثلة؛ لذلك على حلف شمال الأطلسي إقفال مراكز قيادة غير ضرورية وقواعد قديمة والانتقال إلى مواقع جديدة.

في الوقت عينه يجب أن يفهم أعضاء حلف شمال الأطلسي أن أي توسيع إضافي يجب ألا يشكل عملاً خيرياً: ففي كل مرة تنضم دولة أخرى إلى حلف شمال الأطلسي يتوجب على الدول الأعضاء الحالية أن تكون مستعدة للدفاع عنها، ولكن إن لم تكن هذه الدول كذلك فيجب وقف عملية التوسع هذه، فإما أن تكون المادة الخامسة ضمانة أكيدة أو تصبح عديمة الفائدة.

عندما يحدد حلف شمال الأطلسي بوضوح أكبر مصالحه الأمنية الحقيقية، تستطيع قواته مجدداً القيام بتمارين سنوية، تماماً كما اعتادت خلال الحرب الباردة، فقد آن الأوان للتمرن على رد فعلنا تجاه عزوٍ روسيٍّ شبيه بما حدث في القرم في لاتفيا، هذا الغزو الذي لم تنفذه قوات نظامية إنما "رجال خضر صغار" ادعوا أنهم روس محليون، بالإضافة إلى ذلك حان الوقت لاستباق، مثلاً، حرب أهلية في ليبيا أو سقوط بغداد؛ كذلك على حلف شمال الأطلسي اليوم تنظيم دفاع إلكتروني أكثر تنسيقاً والتفكير ملياً بشأن حرب المعلوماتية، كما يجب أن يواجه واقع أن روسيا تخلت على الأرجح عن عدد من اتفاقات ما بعد الحرب الباردة بشأن السلاح، بما فيها ما يشمل الصواريخ المتوسطة المدى: وإذا صح ذلك فعلينا نحن أيضاً التخلي عنها، إذ حقق الردع النجاح سابقاً وقد يظل فاعلاً في المستقبل.

من المعروف أن أوباما سئم اجتماعات حلف شمال الأطلسي وهذا مبرر، فخلال اجتماع الذكرى الستين لحلف شمال الأطلسي عام 2009 (أول اجتماع له كرئيس)، ألقى كل من القادة الوطنيين خطاباً، ولم يعنِ هذا 28 خطاباً فقط يدلي بها 28 عضواً، على سبيل المثال، شعر كل من الرئيس ورئيس الوزراء الألبانيين بضروة التكلم؛ لذلك حان الوقت للتعاطي بجدية أكبر مع اجتماعات حلف شمال الأطلسي بكل مستوياتها، فمن الضروري السماح للدول التي تتمتع بنفوذ أكبر ومعلومات أوسع عن منطقة ساخنة محددة بأن تقود المناقشة: "فرنسا بشأن مالي أو إستونيا بشأن أوكرانيا، كذلك على الأمين العام أن يوضح ضرورة أن تلزم الدول التي لا تشارك في صراع ما الصمت، وهكذا نتخلص من الملاحظات المملة المعدّة مسبقاً: يجب أن تكون الحوارات حقيقية، لا مجرد تمثيلية محضرة مسبقاً".

لا شك أن كل هذه التغييرات ممكنة، فقد لا يتمتع أوباما بالنفوذ ليدفع بالكونغرس إلى فعل ما يريد، إلا أنه يتحلى بالسلطة لإعادة إطلاق هذا التحالف الغربي، فهو يحمل كل الأوراق (تساهم الولايات المتحدة بثلاثة أرباع ميزانية حلف شمال الأطلسي)، فضلاً عن أهم حجة: إذا ما عاد التحالف الغربي بتركيبته الحالية يرغب في الدفاع عن نفسه فيمكنه دوماً الرحيل، وقد يساهم هذا في شحذ الأذهان بسرعة كافية لمنح أوباما إرثاً في السياسة الخارجية قد يدوم.

* آن أبلبوم | Anne Applebaum

back to top