استهداف حسينية المصطفى بقرية الدالوة بمحافظة الإحساء في المملكة العربية السعودية ليلة عاشوراء، وقتل عدد من روادها من محبي الإمام الحسين (عليه السلام) بطريقة إجرامية جبانة كان بمنزلة "الدمّل" الذي انفجر في منطقة الخليج وسال خرّاجه النتن بعد فترة طويلة من تورُّمه، وبقدر قبح الجريمة وسقوط شهداء وجرحى من الأبرياء فإن هذا الفعل الإرهابي يجب أن يَفتح آفاق العقول وأبواب القلوب في عموم منطقة الخليج والسعودية تحديداً.

Ad

تقصُّد الشيعة بالذات في العملية الإرهابية في الإحساء هو بداية متعمّدة ومدروسة لضرب النسيج الاجتماعي ونسف مفهوم المواطنة، ومحاولة لجر بلدان الخليج إلى أتون الفتنة الطائفية تمهيداً لما هو أكبر من ذلك، فاستهداف المواطنين الشيعة هو بمنزلة تهييج المشاعر وتعبئة العوام من الناس عبر الفكر والشعارات المتطرفة، وإحراج الحكومات ومشايخ الدين والنخب الاجتماعية، أو على الأقل محاولة احتواء هذه المكونات واستمالتها من التيارات التكفيرية لإيجاد حواضن لها قابلة للتوسع والامتداد.

مَن يتتبع سلوكيات هذه الجماعات الإرهابية المتسترة بالدين والطائفية، بدءاً من ولادتها ونشأتها في أفغانستان وباكستان وزحفها الحالي نحو الدول العربية، يجد أنها تبدأ بعمليات القتل والتكفير في أوساط الدوائر البعيدة عنها تدريجياً مثل الشيعة والمسيحيين والأيزيديين، ثم الأكراد، وبعدهم الصوفيون، حتى تنتهي بالمنطق نفسه بأهل السُّنة والجماعة، وما يحدث في سورية والعراق وليبيا واليمن ولبنان شواهد عملية واضحة على هذا السلوك الإجرامي. لذلك فإن التحدي الأكبر يقع على النخب الدينية وهيئة العلماء في المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج، فقد ساهم سكوت الكثير منهم من جهة، وآراء البعض المعلنة وفتاواهم وتلميحاتهم من جهة أخرى، في تشجيع تصرفات هذه الجماعات المنحرفة وتأييدها وتبريرها، كما أن الدور الرسمي للحكومات في فرض هيبة القانون وإعادة بناء مفاهيم المواطنة ومصاديقها وفق معايير العدالة، والارتقاء بالمؤسسات العامة والاهتمام بتطلعات شعوبها، بات من الضرورات التي لا تتحمل التأخير بهدف بناء جبهة داخلية تكون عصية على اختراقات التطرف والإرهاب، ومثل هذه الجبهة بقدر ما تحمل بين جنباتها التعددية والتسامح والاندماج سوف تزداد صلابة، بل تتألق في مواكبة متطلبات الحداثة والمدنية والتنمية، وإنجازٌ كهذا يضعف مختلف أشكال التزمُّت والتخلف وأولها التخلف والتعصب الديني.

ردود فعل كبار العلماء في السعودية والتعاطي الإعلامي الجريء والشفاف مع حادث الدالوة الإرهابي ومواقف النخب السياسية والرأي العام السعودي المتزامنة مع جدية الأجهزة الأمنية، كانت على قدر عالٍ من المسؤولية، وبالتأكيد ستكون لها تبعات إيجابية على التهدئة وتنسيق الجهود لمواجهة عدو خطير واحد ومشترك.

لكن محك التحدي سيستمر، بل سيزداد صعوبة مع مرور الوقت، فموقف كبار العلماء، فضلاً عن الكتّاب الإعلاميين والمغردين، بالإضافة إلى القرارات الرسمية ستواجه بضغط شديد من الأوساط المتعاطفة مع المتشددين، وسوف يستغل الدين كوسيلة ابتزاز وترهيب للتشهير والتنكيل، حتى تهديد من يواجه هذا الموج المنحرف بصدق وعلانية؛ لذا فإن نجاح مواجهة هذا الدمّل الفاسد مرهون بالصمود أمامه من جهة، مع برنامج حقيقي لإصلاح الهيئات الدينية ومنابرها، والمؤسسات التعليمية ومناهجها، والقرارات الحكومية وتطبيقاتها من جهة أخرى، لا أن يكون الموقف ردة فعل مؤقتة لامتصاص أزمة وقتية.