المستغرب، خلافاً لكل ما استجد من حقائق، أن هناك من لايزال يطرح ما يسمى الحل اليمني والحل العراقي لإنهاء الأزمة السورية التي غدت مستعصية على أي حل تفاوضي، مادامت روسيا، التي لم تغيّر عملياً مواقفها منذ بداية هذه الأزمة قبل 4 أعوام وحتى الآن، قد أفشلت مبادرة جنيف الأولى، ومادامت لم تتوقف عن ألاعيبها ومناوراتها ومؤامراتها، ومستمرة في تحقيق ما بقي نظام بشار الأسد يسعى إليه، وهو عزل المعارضة السورية (المعتدلة) واعتبارها تنظيمات إرهابية كـ «داعش» و«النصرة»، واستبدالها بمعارضة الداخل، التي رغم حسن نوايا بعض أطرافها، فإنها لا تبتعد كثيراً عما يريده هذا النظام ويسعى إليه.

Ad

ما هو مصير الحل في اليمن الذي استند إلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي، والذي يطرحه البعض «أنموذجاً» لحل الأزمة السورية التي هي أكثر استعصاء من الأزمة اليمنية بآلاف المرات، جملة وتفصيلاً؟!

لقد انهارت مبادرة مجلس التعاون انهياراً كاملاً، ما جعل الأحداث والمعطيات تتجاوزها، فالحوثيون اجتاحوا الشمال اليمني كله تقريباً، ولم تعد هناك دولة قائمة ولا حكومة حقيقية تدير البلاد وتحافظ على وحدتها، والأسوأ أنَّ النزعة «التشطيرية» باتت تفرض نفسها على واقع ما أسفرت وحدة عام 1990 عنه، وأن اليمنيين الجنوبيين بادروا أخيراً إلى الإصرار على إحياء دولتهم «الجنوبية» السابقة، ورفع علمها المعروف ورفع صور علي سالم البيض، آخر رئيس لهذه الدولة التي يريدونها باسم «الجنوبي العربي»، وليس باسم «الشطر الجنوبي» لليمن!

إن حل مجلس التعاون الخليجي قد انتهى، وإن إيران - كما في العراق - باتت اللاعب الرئيسي في اليمن، وإن تلك اللحظة التي سيُطرد فيها مبعوث الأمم المتحدة شر طردة باتت قريبة، وإن «الحوثيين» أصبحوا جزءاً من المنظومة السياسية والأمنية في المنطقة، وكل هذا اللهم إلاَّ إذا استجدت معجزة حقيقية في زمن ليس زمن معجزات!

وأيضاً فأيُّ حلٍّ عراقي هذا الذي يجري الحديث عنه؟! فإيران التي سلّمها بول بريمر مفاتيح العراق هي صاحبة القرار، وصاحبة الحول والطول في هذا البلد الذي من المفترض أنه بلد عربي لا يحق لأي دولة التدخل في شؤونه الداخلية، حتى إذا كانت دولة عربية، فكيف وهذه الدولة الإسلامية المجاورة التي نعتبرها «دولة شقيقة»، وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك، هي كل شيء في بلاد الرافدين وجنرالها قاسم سليماني هو الآمر الناهي عسكرياً وسياسياً وأمنياً، وبالنسبة لكل شيء.

لقد اتخذ رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي، كثَّر الله خيره، بعض الإجراءات «المكياجية»، لكن من حيث الجوهر، فإن كل شيء لايزال على ما هو عليه، والحرب مع «داعش» والإرهاب لاتزال تراوح مكانها، وأن الموقف من «السنّة العرب» الذين هم المكون الرئيسي في العراق، شاء من شاء وأبى من أبى، لم يتغير، فقرار تسليحهم يسير ببطء السلحفاء، ثم إن إعادة دمجهم في أجهزة الدولة، وبخاصة العسكرية والأمنية، يبدو أنه لايزال دونها «جز الحلاقيم».

 ويبدو أن نوري المالكي الذي يعتبر مندوب الولي الفقيه في هذا البلد الذي من المفترض أنه بلد عربي، لايزال هو صاحب القرار بالنسبة لهذه المسائل الخلافية الحساسة!

لو أن تغييراً حقيقياً قد تم في العراق لكان «العهد الجديد» قد بادر منذ اليوم الأول بفتح تحقيق جديٍّ في اختفاء مائة مليار دولار، وعدم وصولها أصلاً إلى موازنة الدولة، ويقيناً أن كل المسؤولين العراقيين السابقين واللاحقين يعرفون أنها اتخذت طريقها إلى دمشق وإلى طهران دعماً للمجهود الحربي الذي يبذل للحفاظ على نظام بشار الأسد، وإلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية.

 ولو أن تغييراً حقيقياً قد تم بعد إقصاء المالكي ومجيء هذا العهد الذي يعتبر جديداً، لكان قد تم سحب الميليشيات العراقية المذهبية التي تقاتل في سورية دفاعاً عن هذا النظام الذي غدا مستهلكاً وغير ممكن إنقاذه، والتي هي المعنية بالخمسين اسماً وهمياً المدرجة في سجلات وزارة الدفاع، ولكان قد تم أيضاً قطع خطوط التزويد الإيرانية للنظام الطائفي في دمشق عبر الأراضي العراقية.

 ولذلك، وفي النهاية فإنه لابد من التذكير بذلك المثل القائل: «لا يُصلح العطار ما أفسد الدهر». والحقيقة أنه لا يصلح العطار ما أفسدته إيران.