أمنُ شجرة في قبضة عصفور!

نشر في 11-12-2014
آخر تحديث 11-12-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري صوت طائر يُهدّد أمن الشجرة!

يقض ذلك الصوت مضجعها، يشعرها بعدم الأمان، يجعل الخوف يسري في مفاصلها، ويكاد الدم يتوقف في مجرى شرايينها، يُخيف ذلك الصوت الحمام الساكن فيها، ويُوقف نمو أغصانها، ويعرّي خدعة ظلالها!

تُستنفر كل الطيور الجارحة وذات المخالب الحادّة والمناقير الجارحة لمطاردة ذلك الطائر، وتحمل الخفافيش إليه أمراً بإلقاء القبض، ويتم القبض عليه فعلاً متلبساً بالزغردة، يُلقى بذلك الطائر وبصوته في قفص ضيق من الأسمنت، بعد تفتيشهما تفتيشا دقيقاً جداً، وتعريتهما من كل ما يسترهما، خوفا من أن يكون ذلك الصوت قد خبّأ تحت ثيابه قصيدة عنقودية، أو كلمة حادة، أو حرفاً خطراً يستخدم كأداة للقتل.

ارتاحت الشجرة عندما لم يجد رجالها شيئا في كل المخابئ السرّية لذلك الصوت، وكادت الشجرة تنام بعدها قريرة العين، فقد شعرت بأنه قد آن الأوان للاستغناء عن أقراص المسكّنات التي تتناولها لعلاج ذلك الصداع المزمن الذي لازمها بعض الوقت... وبعض الأدوية التي وصفها عباقرة الطب لتساعد على ضبط نبضات القلب، وتلك الأخرى التي وُصفت لخفض ضغط الدم، ومن ثم قرّرت الشجرة استئناف دورها في مساندة كل الطيور الباحثة عن الحرية وممارسة الغناء!

وما إن بدأت تلك الشجرة بذلك حتى فوجئت بعد برهة من الزمن أن ذلك الصوت المرمي وراء الجدران العالية وفي ذلك القفص الأسمنتي مازال قادراً على تهريب أنفاسه من خلف القضبان والأسوار ليتخطى مساحة الشجرة ويصل أبعد مما كان!

أُقتيد صوت الطائر للمحاكم مكبّلا بالأصفاد، محاطا بالأسلحة المصوبة باتجاهه، كانت التهمة جاهزة: تهديد أمن الشجرة، وكذلك الحُكم كان جاهزاً مسبقاً.

بعد طول ذهاب وإياب من ذلك القفص الانفرادي إلى قاعات المحاكم وردهاتها صدر الحكم: حكمت المحكمة حضوريا على الصوت بالحبس سنينا طويلة مع الشغل والنفاذ!

لم يصرخ الصوت عاليا كما في الأفلام العربية: "مظلوم يا بيه... والنبي مظلوم"، ربما لم ينهر جاثيا على ركبتيه، بل بدا وكأنما هو فرِح بهذا الحكم، لأن المحكمة لم تحكم عليه مدة مماثلة... بالصمت! بالرغم من يقينه من أنه ليس بإمكان تلك المحكمة بأي حالٍ من الأحوال أن تحكم بهكذا حكم.

الحكم بدا لكثيرين قاسيا جدا... وتقصديّ جداً... والأكثر أنه لا إنساني جداً...!

إلا أنه في ذات الوقت أثار أسئلة راوغت المرايا وقتاً طويلاً... على شاكلة:

هل تعاقب الأشجار طيورها مهما شذت عن السرب بالحبس في أقفاص؟!

هل تخشى الأشجار أيضا الغناء؟!

هل تحقد الأشجار على عصافيرها إن صدحت بغير ما تشتهي؟!

هل بمقدور طائر، أي طائر، أن يمحو اللون الأخضر عن ثياب الشجر؟!

أما السؤال الأصعب فهو: هل بإمكان سجن ما أن يصادر الصوت من فم طائر؟!

back to top