جدل واسع بعد دعوة السيسي إلى «ثورة دينية»
• وكيل الأزهر لـ الجريدة•: نعمل على تحديث مناهجنا وتطوير الوعظ• «الإخوان» تنتقد و«السلفية» ترحب
• هلالي: يجب تحكيم العقل في الفتاوىأحدثت دعوة السيسي إلى تصحيح مفاهيم الإسلام ونقد النصوص التي تم تقديسها وتدعو إلى العنف، ردود فعل واسعة، وحمل الرئيس الجامع الأزهر، (أكبر مرجعية سنيّة في العالم)، مسؤولية القيام بالتجديد.التجديد والتصحيحالسيسي قال صراحة ـ خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ـ قبل أيام: "أئمة الأزهر والدعاة مسؤولون أمام الله عن تجديد الخطاب الديني وتصحيح صورة الإسلام، وسوف أحاججكم بذلك أمام الله... إحنا محتاجين ثورة دينية".الرأي العامالرأي العام المصري ومن خلال قطاع عريض من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبروا "ثورة تصحيح المفاهيم الإسلامية"، شبيهة بخطوات قائد ثورة الإصلاح البروتستانتي في أوروبا، مارتن لوثر، والتي استطاع من خلالها تحرير الأفراد من سلطة الكنيسة، وبينما وصفها خبراء بالخطوة الصحيحة، رفضها آخرون.مستشار المفتيوطالب مستشار مفتي الجمهورية، إبراهيم نجم، بأن تشمل مساعي الإصلاح الديني "دار الإفتاء" أيضاً، لتصبح الفتاوى الدينية متوازنة بين متغيرات العصر وثوابت الشريعة، شريطة ألا يطغى أحدهما على الآخر، موضحاً لـ"الجريدة" أن مفتي الجمهورية شوقي علام اتخذ أخيراً خطوات من شأنها جعل الفتوى الدينية أكثر عصرية، فخاطب جميع القطاعات بأن تكون الفتاوى عصرية تتناسب مع الواقع.وأكد نجم أن دعوة السيسي تشمل "البعد التقني" المتمثل في تواصل المؤسسات الدينية المصرية مع الجمهور، كاشفا عن استحداث مهام أخرى للإفتاء والقائمين عليه، تنطلق من قاعدة تكنولوجية، تُسهل من تواصل الجمهور مع دار الإفتاء، عبر تدشين عدد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتوسيع نشر الخطاب الديني عبر الشبكة العنكبوتية "الإنترنت"، فضلاً عن إطلاق أول قناة لدار الإفتاء على موقع "يوتيوب".هلالي وتطويع الفقه أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، سعد هلالي، قال إن الخطاب الإسلامي الحالي بحاجة إلى مراجعات واسعة في الفقه، وتوضيح أن الفقه مجموعة من التفسيرات البشرية للنصوص المقدسة، موضحاً لـ"الجريدة" أنه في الإمكان تطويع الفقه أو حتى رفضه من الأساس، طالما أن النصوص الثابتة لم تمس، منتقدا خلط بعض الدعاة بين ما هو ثابت وقطعي وما هو متغير ومتشابه، مرجحاً فشل دعوة السيسي حال تعويله على مؤسسات بعينها، لتنفيذ تلك الخطوات، الأمر الذي يُعيد شبح الدولة الثيوقراطية.وطالب هلالي أن يُحكّم الشخص طالب الفتوى عقله فيها، ولا يسلم لها تسليماً مطلقاً، مشيراً إلى أن دعوة السيسي ربما تزيد من تسلط بعض القيادات الدينية في الأزهر حال عدم ضبطها، قائلا: "تلك الشخصيات ستُحاول إظهار بعض التغييرات، والتي ستكون في جوهرها مزيدا من تكريس وصايتهم على الناس، رغم انتقادهم ذلك في جماعات الإسلام السياسي"، معتبراً أن الحل الأمثل لنجاح دعوة السيسي هو أن تدرك الجماهير أنهم في ذاتهم المقصودون بالتغيير، وأن سلوكهم وطريقة تفكيرهم قد تطور من الخطاب الديني وليس العكس.الأزهر اتخذ خطواتمؤسسة الأزهر حاولت دفع شبهة التقصير عنها، حيث قال وكيل الأزهر عباس شومان، إن مشيخة الأزهر تقوم بدورها على أكمل وجه، موضحاً لـ"الجريدة" أن الأزهر اتخذ خطوات فعلية منذ عام، لتطوير قطاع الوعاظ في الأزهر، في إشارة إلى أنه تم اتخاذ تلك الخطوات قبل دعوة الرئيس بعام كامل، مشيراً إلى أن تلك الخطوات ستساعد الخطاب الديني على أن يكون أكثر ملاءمة مع العصر، فضلاً عن أنها تساعد المجتمع على نبذ أفكار التشدد التي تغلغلت في المجتمع أخيرا.وأضاف شومان: "الأزهر سيعمل وفق دعوة السيسي، على تكثيف جهوده لتطوير الخطاب الديني، عبر رؤية تعتمد على تحديث مناهج التعليم بالأزهر، في المراحل المختلفة حتى الجامعة، فضلاً عن عقد صالونات ثقافية بشكل دوري لمناقشة القضايا المطروحة على الساحة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تساعد على نشر أفكار التكفير بين الأجيال الجديدة، إلى جانب معالجة أي أفكار هدامة لا تمت لصحيح الدين بصلة".هجوم واسعفي المقابل، لاقت دعوة السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، هجوماً واسعاً من قبل الصفحات التابعة إلى الحركات الإسلامية المتشددة، بينها صفحات محسوبة على تنظيم "الإخوان" الإرهابي، والتي وصفت دعوة السيسي بـ"التجرؤ على النصوص الدينية وثوابت العقيدة".وقالت شبكة "رصد" الإخبارية التابعة للإخوان إن دعوة السيسي أظهرت بوضوح عداءه للشريعة، وقال القيادي في "تحالف دعم الشرعية" علاء الروبي، إن السيسي يحارب أُصول الدين، وفق وصفه، مضيفاً لـ "الجريدة": "السيسي يطلب من "شيوخ السلطة" معالجة الخطاب الديني وفق ما يخدم مصالحه".التعليم والإعلامالباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد بان، قال إن دعوة السيسي يجب ألا تنفصل عن السياق العام، فلا يمكن للأزهر وحده خلق مناخ كامل يسمح بتطوير طريقة التعاطي مع النصوص وإسقاطها على الواقع الحالي، مطالباً في تصريحات لـ"الجريدة" بتضافر جهود جميع الأطراف بينها المؤسسات الدينية ووزارتي التعليم والإعلام.وفي ما له صلة بهجوم التيار الإسلامي على الرئيس السيسي، قال بان إن لجان الإخوان الإلكترونية هي من قامت بتلك الحملات، واصفاً إياها بـ"كلاشيهات محفوظة" تتهم السيسي بعداء الدين، مضيفا :"الجماعة دائماً ما تُحول الصراع إلى ديني، للنيل من خصومها، عبر إظهارهم في موقف المناهض للشريعة"، متوقعاً استمرار هجوم التيار الإسلامي على السيسي.السلفالتيار السلفي، ورغم الجدل الدائر بينه وبين وزارة "الأوقاف" التي منعت غير الأزهريين من اعتلاء المنابر لإلقاء خطب الجمعة ودروس الوعظ، ما أطاح بكثير من قيادات الدعوة السلفية، بينهم نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي، إلا أن دفاع السلفيين عن السيسي جعلهم يقبلون دعوته للتجديد، فقد أوضحت الدعوة السلفية لأنصارها ـ في بيان أصدرته مطلع الأسبوع الجاري ـ أن تجديد الخطاب الديني لا يقصد به العدوان على مبادئ وأصول العقيدة، وأن المقصود به هو تطوير الأدوات والآليات، التي تعمل بشكل منضبط، بغية الوصول إلى خطاب ديني رشيد.