المعرض، في مجمله، يرصد حركة القناص الذي يتصيد الناس من برجه العالي ومحاولات الهروب منه، وهو ما يرمز إليه التجهيز في مدخل المعرض، ولأن الحرب هي هي في أي بلد، يتضمن المعرض عملين يرمزان إلى الحرب اللبنانية التي امتدت سنوات طويلة.
هذا الوجود الشبحي للقناص الذي لا صوت له ولا وجه، عبارة عن مستنقع غير مرئي يقع فيه الناس، إلى أن يعود الوطن، ويعود السلام. مكانه معروف خلف مبنى بركات في بيروت، وخلف أكياس الرمل والكتابة على الجدران، يحدق من خلال شقوق صغيرة في الجدار إلى بيروت: بلاط المبنى مكدس في زاوية، يحكي ذكرى ماض مجيد قُتل بلا رحمة.ألوان قاتمةبما أن أعمال سلام عمر ممزوجة بدخان الحرب، يمكن تفسير شغفه بالألوان القاتمة لا سيما الأبيض والأسود، لأنها تنبض بتفاصيل أوقات عصيبة مرت على أرضه تساوى فيها الشعور بالخوف والعصيان والتمرّد، بزمن اجتمعت فيه قوى الأرض لإعادة تشكيل مدينة، وإذا ببغداد تصبح مدينة محتلة. كل ذلك يلتقطه الفنان بوضوح ويبثه لوحته من دون تجميل.ألم، حيرة، انتظار... مشاعر تتفاعل في ذات سلام عمر، وهو يعايش بشكل يومي كيف أن العالم من حوله يتغير، يضيق ويتسع، يعلو تارة وينخفض تارة أخرى إلى ما تحت الحضيض... وفق ما يرسم من يكتب سيناريو الحرب والسلم، ويعبّر عن كل ذلك بلغة خاصة أقرب إلى الصوفية، لا يفرضها على المتلقي، إنما يدخل الأخير تلقائياً في أجوائها، ويتلمس نبضها المتسارع مع كل عنف تتعرض له مدينته بغداد وكل المدن في العالم العربي.هذا الألم وهذه المعاناة ساهما في إنضاج تجربة سلام عمر التشكيلية، التي انطلقت فور تخرجه في معهد الفنون الجميلة في بغداد، وإقامة أول معرض فردي له عام 1986، وقد شكل لقاؤه بالناقد العراقي والفنان عادل كامل نقطة تحوّل في مسيرته، إذ عرف من خلاله المعنى الحقيقي للفن. كذلك ساهم احتكاكه بكبار الفنانين العراقيين من أمثال: اسماعيل فتاح الترك، شاكر حسن آل سعيد، سعد الكعبي... في صقل موهبته خصوصاً أنه كان يتابع أدق تفاصيل أعمالهم.سافر إسلام عمر إلى الدوحة لتدريس مادة الغرافيك، فاختلط بمجتمع فني جديد واطلع على تجارب وسعت أفقه التشكيلي وزار المتاحف، وهو لطالما ردد في هذا الصدد: «كنت افتقد المشهد الآخر».خلال مسيرته الفنية رسم إسلام عمر لنفسه خطاً خاصاً سماته واضحة التفاصيل، تتكون من خلال الإنشاء واللون والتكوين، والحرق والأشياء المكسرة المجموعة ضمن طرق علمية.في قلبه وعقله أمور كثيرة عن العراق ولبنان وكل أرض عاثت فيها الحرب دماراً، وهو يسعى، باستمرار، إلى أن يوصل للمشاهد صوراً من حياته اليومية، من هنا يمكن تفسير الواقعية التي تتسم بها بعض أعماله إلى جانب أخرى تجريدية وثالثة يغلب عليها الشكل الهندسي، ومنها النوافذ والأبواب التي ترمز إلى الاستمرارية عبر الزمان والمكان، في محاولة منه لتوثيق الظلم الذي يطاول الإنسان بفعل الحروب والطائفية البغيضة... ولا عجب في ذلك طالما أنه يقتطع أعماله من الناس.نبذةسلام عمر حائز دبلوم فنون جميلة / بغداد 1982. هو عضو في: نقابة الفنانين العراقيين، جمعية التشكيليين العراقيين، المنظمة الدولية للفنون التشكيلية (الأياب)، جمعية التشكيليين القطريين، عضو شرف في جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت. مدير مركز فضاء وفن الثقافي.أقام معارض في: بغداد (1987، 1992، 1996، 1997)، متحف قطر الوطني – قطر (2000)، بيروت ( قاعة جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت –2001، قاعة S.D – 2003، 2011)، أبو ظبي (قاعة المجمع الثقافي- 2002)، دمشق (المركز الثقافي الفرنسي- 2003)، الكويت ( قاعة فنون جميلة - 2004)، قاعة فضاء وفن- بغداد( 2007).
توابل - ثقافات
«مفقود» سلام عمر في «غاليري أجيال» ببيروت...
09-10-2014