التقاعس عن معالجة العجز يقربنا من مخاطر تخفيض «الدينار» و«سحب الاحتياطي العام»

نشر في 04-12-2014 | 00:13
آخر تحديث 04-12-2014 | 00:13
No Image Caption
التخفيض يضر بالمستهلكين والسحب يعجل بإفلاس الدولة
لا يوجد أسوأ من تخفيض قيمة الدينار، إلا اللجوء إلى الخيار الآخر، وهو السحب من الاحتياطي العام للدولة لتمويل الميزانية وسد نفقاتها، فإن كان خفض قيمة العملة يضر بالمستهلكين؛ مواطنين ومقيمين، فإن السحب من الاحتياطي يمثل ضرراً بالغاً للدولة.

يبدو أن السياسات الاقتصادية الحكومية المحدودة في مواجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط العالمية بهامش تجاوز 35 في المئة خلال 4 أشهر، ستدفعنا قريباً إلى اتخاذ قرارات صعبة، بعد أن فوتنا العديد من فرص الإصلاح السهلة في زمن الفوائض المالية أو حتى مع بداية أزمة أسعار النفط.

وبعد اتفاق «أوبك» على تثبيت انتاجها الاسبوع الماضي، بات المشهد في سوق النفط اكثر وضوحا في اتجاه هبوط الاسعار او استقرارها على انخفاضها السابق، وبالتالي - في ظل العوامل الحالية - من الصعب توقع حدوث ارتداد في الاسعار يعيدنا مجدداً الى زمن الفوائض او حتى التعادل.

خفض الدينار

كل يوم يمضي دون اتخاذ قرار في تعديل وتنويع ايرادات الدولة يقربنا اكثر من اتخاذ قرارات صعبة على الجميع لا يمكن وصفها بأقل من «آخر العلاج الكي»، وهو ما يتمثل في اللجوء القسري الى تخفيض قيمة الدينار الكويتي بما يعادل 20 الى 30 في المئة من قيمته، وهو قرار بقدر ما يوفر للدولة هامشا اعلى من الطمأنينة في التعامل مع الملف المالي بقدر ما يؤثر سلبا في حياة المستهلكين، ويقلل من قدراتهم الشرائية، خصوصا ان الكويت بلد قائم على استيراد السلع الاستهلاكية بشكل عام.

وتخفيض قيمة العملة اجراء تتخذه بعض الدول لعدة اسباب منها انعاش المبادلات التجارية وعمليات التصدير او لمحاولة التغلب على مشكلات اقتصادية، وهو ما ينطبق على الكويت، اي ان خفض قيمة الدينار سيكون حلا لزيادة الايرادات النفطية بعد تحويل سعر البيع بالدولار الى الدينار، وكذلك لتقليل العديد من الاعباء المالية الخاصة بالرواتب او الدعم، بل ان اللجوء الى هذا الخيار سيعيد الدولة إلى تحقيق الفوائض مجددا، خصوصا ان الايرادات النفطية سترتفع في هذه الحالة بمقدار الخفض في قيمة الدينار، فإن كان الخفض 30 في المئة مثلاً، فإن الإيرادات سترتفع 30 في المئة أيضاً.

إيجابيات للدولة

إلا ان الجوانب الايجابية على الميزانية والايرادات العامة لخفض قيمة الدينار لا تعطينا الصورة الكاملة للوضع، فهناك صورة سلبية تتمثل في انعكاس هذا القرار على المستهلكين، فخفض قيمة الدينار هو خفض لدخل الفرد الحقيقي وقدرته الشرائية، وسيرتفع التضخم خصوصا في اسعار السلع المستوردة، وسيكون هنا انعكاس ايجابي لمن لديهم اصول او دوائع او استثمارات بعملات اجنبية في حين يكون الاثر السلبي لمن ادخر او استثمر بالدينار الكويتي، فضلا عن الاثر السلبي الذي يمكن ان ينعكس على سوق منفلت مثل سوق العقار السكني مما يعني ارتفاعا حادا في اسعار الايجارات والعقارات، ربما اكثر حتى من نسبة الخفض في الدينار!

سلبيات للمستهلك

بالطبع يمكننا في الكويت أن نتخيل اتخاذ هذا القرار من ادارة حكومية مارست شتى صور التناقض في معالجة الملفات الاقتصادية والمالية، فمن غير المستبعد ان نصل الى مرحلة تخفض فيها الدولة قيمة الدينار لتعود بعدها الى زيادة الرواتب والدعم لتعويض نقص القيمة الشرائية، وينخفض النفط ونعود إلى تسجيل العجز مرة اخرى! وهنا يكون الاثر السلبي للتضخم وارتفاع الاسعار كبيرا خصوصا ان الايرادات مرتبطة بسلعة تتحرك ضمن سوق لا نتحكم فيه بدرجة كبيرة.

بالطبع لا يوجد أسوأ من تخفيض قيمة الدينار إلا اللجوء الى الخيار الآخر وهو السحب من الاحتياطي العام للدولة لتمويل الميزانية وسد نفقاتها. فإن كان خفض قيمة العملة يضر بالمستهلكين مواطنين ومقيمين، فإن السحب من الاحتياطي يمثل ضررا بالغا للدولة، واشبه بتقطيع «اللحم الحي»، وهو ما حدث في تسعينيات القرن الماضي مع انحدار اسعار النفط، ولم ينقذنا من مخاطر هذا السحب الا عودة الاسعار الى الارتفاع مجددا، لكن في الحقيقة لم نستفد لا من دروس الهبوط ولا فوائض الصعود.

وبحسب إحصاءات غير رسمية، فإن الاحتياطي المالي الكويتي يستثمر عبر الهيئة العامة للاستثمار من خلال صندوقين، هما صندوق الاحتياطي العام الذي تبلغ أصوله نحو 150 مليار دولار، وصندوق الأجيال القادمة الذي تبلغ أصوله نحو 400 مليار دولار.

حلول هشة

معالجة الملفات الاقتصادية والمالية تتطلب قرارات حقيقية اكثر من تلك الهشة التي يقترحها مجلس الوزراء كإيقاف الترقية بالاختيار أو عدم التوسع في الهياكل الادارية والتنظيمية او حتى العمل على ضبط الانفاق او الهدر في اللجان والمهمات الخارجية، فضبط الانفاق يتطلب اتخاذ قرارات جرئية في اعادة معالجة اوجه الدعم وتوجيهها إلى المستحقين لا المستثمرين والعمل على ترشيد استهلاك السلع المكلفة كالكهرباء والبنزين، فضلا عن تنويع سوق العمل لتخفيف العبء على المرتبات والعمل على طرح مشاريع حقيقية للقطاع الخاص تحقق للدولة ايرادات غير نفطية وتوظف عمالة وطنية كي نستطيع ان نقول ان لدينا اقتصادا فعليا، ولسنا مجرد بائعي نفط.

ان اصلاح الاقتصاد - على الاقل لتلافي الازمات - يتطلب اتخاذ قرارات عاجلة كضبط النفقات غير الضرورية، وترشيد الصرف والعمل على وضع سقف للميزانية لا يمكن ان ترتفع فوقه، واخرى متوسطة المدى تتعلق بالاسراع في تنويع سوق العمل وتنويع الاقتصاد واطلاق خطة تنمية حقيقية بأدوات قياس عملية، لا خطة تنمية فشلت الحكومة في ادارتها فوضعت خطة اخرى محدودة الطموحات... والاهم ان يكون للكويت خطة استراتيجية يجري تقييمها سنويا بدل بيع الوهم للناس على مدى 11 عاما في الحديث عن التحول إلى مركز تجاري ومالي بلا اي نتيجة حقيقية على الارض.

هناك وقت

مازال يفصلنا عن اتخاذ القرارات الصعبة مجموعة من الخيارات، الا انه في المقابل يجب الاعتراف ان الوقت يمضي سريعا، وان سوق النفط ليس بيدنا بل حتى ليس بيد «اوبك»، وان عوامل السوق والطلب اكبر من قدراتنا، لذلك فإن ممارسة بعض السياسات المالية المحدودة، وكأننا في زمن الفوائض لم تعد مجدية، لأن التحدي يكبر مع كل يوم اكثر من السابق.

back to top