كثيرة هي ردود الأفعال الساخطة على الدراسة التي أعدها الزميل محمد رمضان في الزميلة "القبس"، والتي توصل فيها إلى أن المواطن الكويتي يكلف الدولة ما معدله 9 ملايين دينار من المهد إلى اللحد، آخذاً في اعتباره عدة عوامل، مثل مبالغ الدعم والراتب الحكومي والفرص الضائعة على الدولة من استثمار تلك الأموال في السندات طوال تلك السنين من عمر المواطن.
لا يهمني إن كان الرقم الذي توصل إليه الزميل صحيحاً أم لا، لكن ما يهمني هو المغزى من هذا الرقم، وهو الأمر الذي لم يستوعبه الكثيرون، كما لم يوفق الزميل في توضيحه وشرحه، فالرسالة المفهومة من هذا التصريح هي أن الثروة التي أنعم الباري، عز وجل، بها علينا تُبدَّد من دون أي مردود، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى الإفلاس يوماً ما إن استمررنا في هذه السياسة.لا مانع من رعاية الدولة للمواطن في بعض الجوانب وتوفير بعض الخدمات له مجاناً أو بسعر زهيد، إنما بشرط أن يكون هناك مردود لهذه الرعاية مستقبلاً، لكن أن تظل الدولة تصرف على مواطنيها باستمرار دون إنتاج يذكر، فهذا ليس بأسلوب إدارة دولة.ففي الدول المتقدمة تصرف الحكومات على مواطنيها صحياً وتستثمر فيهم تعليمياً، حتى يقوموا في المقابل باستخدام تعليمهم في الابتكار والإنتاج والتصدير وتقديم الخدمات، ليكسبوا رزقهم بأنفسهم، وفي نفس الوقت تستفيد الدولة من الضرائب التي تفرضها على المبيعات وأرباح الشركات نتيجة البيع داخلياً والتصدير خارجياً، لكن في حالتنا الأمر مختلف تماماً، فالدولة تنفق بالكامل على التعليم والصحة وتدعم الكهرباء والماء والمحروقات بشكل كبير، وملتزمة بتوظيف المواطنين في الجهاز الحكومي دون أي إنتاج يذكر، وبذلك تحولت الحكومة من جهة تنظيمية للاقتصاد والأعمال إلى مقبرة لتكديس المواطنين وقتل إبداعهم، بدلاً من أن تستفيد الدولة من مردود التعليم الذي وفرته لشبابها، والنتيجة أجيال ضائعة وسيطرة الوافدين على القطاع الخاص والخدمات.أدرك أن الجواب المعلب الذي نسمعه من أغلبية الناس هو: "وماذا عن احتكار بعض التجار والفساد؟"، وهو سؤال وجيه فعلاً ونتمنى أن نرى دراسة تبين التكاليف والفرص الضائعة التي تتحملها الدولة نتيجة استئثار فئة قليلة مخملية من الشعب بالمناقصات والفرص، وأراضي الدولة بثمن بخس، بينما يقوم المواطن البسيط باستئجار مقر لمشروعه الصغير بالقيمة السوقية! لكن هذا الوضع أتى نتيجة لتخدير الناس بإبر النفط المخدرة من دعم ووظائف وكوادر بالجهاز الحكومي حتى يستطيع الفاسدون نهب عشرات الملايين.ومع هذا أقول إن الحل ليس بانتظار الحكومة حتى تصلح نفسها وتحسن الخدمات التعليمية والصحية وغيرها، لأنها ببساطة لن تصلح نفسها ولن تحسن الخدمات، لأن النموذج المتبع لإدارة الدولة هو في الأساس فاسد ولا يمكن إصلاحه إلا بتغيير قواعد اللعبة.حان وقت تخفيض حجم الحكومة والتخلص من البطالة المقنعة فيها وإطلاق المواطنين للعمل في القطاع الخاص والأعمال الحرة والمشاريع الصغيرة والحرفية، بعد سن تشريعات تهيئ المناخ المناسب لذلك، حتى نخفف اعتمادنا على الوافدين ولا نجعل كل حاجات الناس مرتبطة بالحكومة حتى لا تقوم هي بابتزاز النواب وبالتالي ابتزاز الناخبين.الوضع الحالي لن يستمر كما هو، والدولة لن تستطيع تقديم الخدمات وتوفير الوظائف إلى ما لا نهاية، لاسيما مع الزيادة المطّردة في أعداد المواطنين، والانخفاض السريع للنفط خلال الأشهر القليلة الماضية كفيل بتوضيح كم أننا نقف على ماء لا على أرض صلبة مدعومة باقتصاد حقيقي وشعب منتج. والتغيير إلى الأفضل مرهون بوعي الناس ومدى تحملهم لتغيير قد يكون أليماً لكنه ضروري إلى أقصى حد، ولنتذكر "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ".
مقالات
ركزوا على الهدف لا الرقم
05-03-2015