في الحقبة المعاصرة لم يسبق أن ضمت أوروبا عدداً أقل من المسيحيين الملتزمين، ويُظهر مسح أجراه معهد بيو ونُشر قبل أيام أن الولايات المتحدة تسير في الاتجاه عينه، خصوصاً مع تشكيك جيل الألفية في تأكيدات الحبر الأعظم.

Ad

إذاً، ما سبب ابتسام البابا فرانسيس؟ وفي هذا الصدد، كيف أصبح رجل في الثامنة والسبعين من عمره يملك رئة واحدة صالحة، الشخصية الأكثر إشراقاً، وقوة، وإنسانية على الأرجح على المسرح العالمي؟ هنا تكمن المعضلة. صحيح أن عدداً متزايداً من الناس ما عادوا ينتمون إلى دين منظم، لكن زعيم الدين الأكثر تنظيماً يُعتبر اليوم أكثر شعبية من أي وقت مضى.

عندما ينظف أقدام المشردين يتصل بغرباء للدردشة معهم في ساعات متأخرة من الليل، أو يقنع رجلاً ملحداً باعترافه الخاص، مثل راؤول كاسترو، بإعادة النظر في الكنيسة الكاثوليكية، يشكل البابا، الذي اتخذ لنفسه اسم فقير محب للطبيعة، نفحة تغيير.

قبل زيارته إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذه السنة، كان البابا فرانسيس يملك فرصة لتحريك القلوب والعقول في عدد من المسائل الصعبة، فقد تحدى المشككين في تبدل المناخ وسينشر قريباً منشوراً بابوياً بشأن البيئة، لنتأمل هذه المسألة: الكنيسة التي وضعت غاليليو تحت الإقامة الجبرية لترويجه لمعلومات علمية صحيحة تتحدى اليوم منكري الأدلة العلمية الواضحة.

يجعله هذا في حالة خلاف مباشر مع القيادة الجمهورية والأخوين كوخ، اللذين يمولان مجموعة اتهمت أخيراً البابا فرانسيس بأن "الخبراء في الأمم المتحدة يضللونه". لذلك قد يعي رئيس مجلس النواب جون أ. بونر أن المسائل لن تجري كما كان يتوقع مع دعوته البابا ليكون أول حبر أعظم يتحدث أمام جلسة مشتركة في الكونغرس في شهر سبتمبر.

عندما كان سلف البابا فرانسيس كردينالاً، وقّع رسالةً تعتبر المثلية الجنسية "اضطراباً شخصياً"، لكن البابا الحالي يفضل التركيز على ملايين الفقراء الذين يتعلقون بخيط رفيع بالحياة بدل الحديث عن حياة الناس الجنسية، فقد صدق القول عندما تناول الإبادة الأرمنية، والدولة الفلسطينية، وأنصار العدمية من الإسلاميين المتطرفين الذين قطعوا رؤوس أناس من ديانات أخرى.

ولكن رغم كل ذلك، ثمة مسألة أخرى تجعل العالم مفتوناً إلى هذا الحد بالبابا فرانسيس، فبعد أن ننسى بوقت طويل موقفه من العقيدة الكاثوليكية، سنتذكر صفاء البابا فرانسيس: خفة وجوده المنكرة للذات.

تشع ابتسامته بساطة وتسامحاً، وتختلف كل الاختلاف عن تقطيبة الوجه القاسية لأي دبلوماسي مخضرم، وبدل أن يختبئ وراء تفاصيل السلطة والإمبراطورية، يعكس صورة رجل عادي فهم دعابة ممتعة. البابا فرانسيس قائد 1.2 مليار كاثوليكي، وكل ما يقوله يُحلل ويُفصَّل بحثاً عن معنى أوسع، ورغم ذلك يتصرف بعفوية ويضحك، وهكذا كانت لغة جسم مَن ذكر العبارة الأكثر تأثيراً التي قالها بابا في زمننا: "مَن أنا لأحكم؟".

بعد تعيينه بابا، خلال تجمع لنخبة الفاتيكان التي اختارته، نظر إلى رموز السلطة الدينية هؤلاء وقال: "ليسامحكم الرب على ما فعلتموه"، وابتسم فضحكوا، وهكذا في شهر مارس عام 2013، احتلت الفكاهة أروقة ساحة القديس بطرس ولم تغادرها.

بعيد ذلك أخبر أحد المعارف القدماء البابا فرانسيس أنه بالكاد عرف اليسوعي خورخي ماريو برغوليو، فماذا حدث؟ أجابه البابا أنه قد تبدل بالفعل، كما يذكر جون ل. ألن في كتابه الجديد "معجزة فرانسيس"، ذكر البابا أنه امتلأ "بحرية وسلام داخليين، وأن هذا الشعور لم يتركه مطلقاً".

كذلك تتواصل الاتصالات الهاتفية المفاجئة، فهو البابا ويستطيع أن يتصل بمن يشاء، فبوتين على الخط الأول، وأوباما على الثاني، وجي زي على خط الانتظار، ولكن قبل بضعة أسابيع اتصل برجل إيطالي مريض يُدعى فرانكو رابوفي، إلا أن هذا الأخير لم يصدق أنه البابا وأقفل الخط، فعاود البابا الاتصال وأقفل رابوفي الخط مرة أخرى، ولكن في المرة الثالثة تحادثا.

أخبر رابوفي صحيفة الفاتيكان: "عجزت عن الكلام، لكن فرانسيس هب لنجدتي، معتبراً أن ما حدث كان ممتعاً".

في شهر مارس، زار البابا نابولي، مدينة جميلة يمزق أحياءها القديمة فساد المافيا والفقر، فتحدى البابا "الكامورا" العنيفة، داعياً إلى وضع حد "لدموع أمها نابولي"، وفي كلمات لا يستخدمها إلا حارس سابق، قال البابا فرانسيس: "المجتمع الفاسد مقرف".

سئل البابا فرانسيس السنة الماضية عن سر سعادته فأجاب: الإبطاء، خذ إجازة وعش ودع الآخرين يعيشون، ولا تعظ، واعمل بسلام، واختر عملاً يمنح الإنسان بعض الكرامة، ولا تتمسك بالمشاعر السلبية، وامضِ في حياتك بهدوء، واستمتع بالفن، والكتب، والمرح.

من المؤسف أن عهده قد يدوم أقل من خمس سنوات، حسبما يتوقع، وقد أخبر أحد الكرادلة المتشددين الكاتب ألن: "لن يبقى برغوليو هنا للأبد، أما نحن، فبلى"، لكن هذا غير صحيح، فمن المؤكد أن ربيع الفاتيكان مع البابا فرانسيس سيستمر بعد رحيل الكثير من الفانين المرتدين أثواب الكهنوت.

 * تينوثي إيغان