حتى لا يجد الذين يهمهم الشأن السوري، والمفترض أنه لا يهم الدول المجاورة وحدها وإنما العرب كلهم، أوضاعاً كالأوضاع التي تعيشها ليبيا فإنه لابد من تضافر الجهود الخيرة لإنهاء هذه الحالة المربكة التي تعيشها المعارضة السورية، التي لا يجوز تحميلها أكثر مما تحتمل، مادام أنها بدأت من الصفر ومادام هذا النظام الاستبدادي قد أنهك الحياة السياسية في هذا البلد الذي كان سباقاً في الممارسة الديمقراطية والتداول على السلطة قبل أن يُبتلى بظاهرة الانقلابات العسكرية.
كل حركات التحرر وكل ثورات العالم كان يبدأها تنظيم سياسي، حزبي أو جبهوي، بالمبادرة إلى تشكيل ذراعه العسكرية الواسعة التي تستوعب طاقات الشعب المعني كلها، فالثورة الجزائرية كانت قد بدأتها جبهة التحرير التي لا تزال حزباً حاكماً حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة للثورة الفيتنامية والثورة الفلسطينية التي أطلقت شرارتها حركة "فتح" في الفاتح من عام 1965 والتي لم تستطع مواجهة الواقع الذي استجد بعد عام 1967 الذي ترتب عليه ظهور تنظيمات وصل عددها في البدايات إلى أكثر من عشرين تنظيماً كان للدول المجاورة والبعيدة أيضاً النصيب الأكبر فيها.لم يسمحْ حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري لأي تنظيم سياسي لا يساري ولا ماركسي ولا قومي ولا ديني ولا ما يشكل امتداداً لأي جهة خارجية بالدخول إلى إطار الثورة والمشاركة فيها ولذلك فإنه قد حافظ على وحدة هذه الثورة، ولذلك فإنه قد حماها من أي اختراقات استخبارية سواءً كانت عربية أم غير عربية، وهذا هو ما حصل مع الثورة الفيتنامية مع الفوارق والخصوصيات الكثيرة بين التجربة الجزائرية والتجربة الفيتنامية.أما بالنسبة لتجربة فلسطين فإن المعروف أن حركة "فتح" قد شكلت العمود الفقري للثورة الفلسطينية وأنها هي من تتحكم في ضبط الأوضاع داخل منظمة التحرير، وحالت دون سيطرة الاختراقات الجانبية عربية وغير عربية على هذه المنظمة والانحراف بمسارها، وهنا فإن الجميع يعرف كل تلك المحاولات التي قام بها النظام السوري في عهد حافظ الأسد بعد إخراج قوات هذه المنظمة من بيروت ومن طرابلس والبقاع وكل المناطق اللبنانية وإن قبل ذلك.إن مشكلة الثورة السورية أنها انطلقت من الصفر وأنها بدأت واستمرت على مدى الأعوام الأربعة الماضية بدون عمود فقري وبدون تنظيم رئيسي، ولذلك فإنها أصبحت فريسة للتدخلات الإقليمية، كما بقيت تخضع للأمزجة الشخصية وبالتالي فإن عدم قدرتها على ضبط الأمور قد أفسح المجال لكل هذه التشكيلات الخارجية والمحلية، وقد أفسح المجال لبروز التنظيمات المتطرفة كـ"داعش" و"النصرة" مما جعل كل محاولات الوحدة والتوحيد دونها خرط القتاد ومستحيلة.الآن هناك "الائتلاف" الذي بقي رؤوساً مؤتلفة وقلوباً مختلفة، وهناك الحكومة الوطنية التي بقيت سبباً للخلافات وتصادم المصالح الإقليمية والتي هي في حقيقة الأمر لم تفعل شيئاً ولا ينتظر أن تفعل شيئا،ً وهذا يتطلب بروز قوة عسكرية رئيسية ليست من الميليشيات وكل هذه التنظيمات الفعلية والوهمية بل من ضباط وجنود الجيش العربي السوري الذين تخلوا عن مواقعهم والتحقوا بثورة شعبهم. إن بروز مثل هذه القوة هو ما سيؤدي إلى الاطمئنان أن مصير سورية لن يكون كمصير ليبيا، وهو ما سيقطع الطريق على كل هذه التشكيلات المحلية وغير المحلية، ومن بينها بالطبع التنظيمات المتطرفة، من العبث مستقبلاً بوحدة هذا البلد العظيم وبتوجهاته الديمقراطية.
أخر كلام
سورية وبديل المعارضة الحالية
22-10-2014