دأبت قوى الفساد والإفساد المعادية للتطور الديمقراطي، والعدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة، على شن حملة إعلامية ضخمة موجهة ضد المتصدين لمنظومة الفساد المؤسسي، والمطالبين بالإصلاح السياسي والديمقراطي، الهدف منها هو تشويه سمعتهم، وإشغال الناس في قضايا تفصيلية متشعبة تُركز على أعراض الفساد السياسي ومظاهره بدلا من البحث في كيفية معالجة أسبابه الجذرية، علاوة على المحاولات المُمنهجة التي تقوم بها منظومة الفساد السياسي بقصد خلط الأوراق وبعثرتها تحت شعار "الكُلّ فاسد"، من أجل شيوع المسؤولية وغياب المساءلة من جهة، ولكي تهتز، من جهة أخرى، ثقة الناس بالعناصر والقوى الوطنية الصادقة التي تتصدى للفساد السياسي المؤسسي الذي ينخر في مفاصل الدولة وأركانها ويهدد مستقبل الوطن.

Ad

هناك فرق شاسع بين الأسباب الرئيسة للفساد السياسي المؤسسي وبين أعراضه ومظاهره التي تختفي بمجرد معالجة الأسباب، من هنا فإن بعض الظواهر أو التصرفات المُستهجنة التي يقوم بها بعض الأفراد في مجتمع يعاني الفساد السياسي المؤسسي، وسوء الإدارة العامة، مثل "الواسطة" و"الشللية" والنزعات الفئوية والطائفية بين طلبة الجامعة على سبيل المثال لا الحصر، هي نتائج سيئة أو أعراض جانبية للسبب الرئيسي، وهي، في الوقت ذاته، سبب في خلق مشاكل أخرى جديدة، ولن تختفي نهائيا ما لم تعالج أسبابها الجذرية، أضف إلى ذلك أن وعي الناس لا يتغيّر هكذا من فراغ، فما دامت الأوضاع العامة سيئة والفساد مستشريا فإن الوعي العام سيظل متدنيا.  

وفي هذا السياق فإن قوى الفساد السياسي والإفساد المؤسسي وأبواقها الإعلامية دائما ما تتهم المواطنين بأنهم سبب كل المشاكل التي تعانيها الدولة، وأن "الكُلّ فاسد"!، وبالتالي، فهي تحاول التغطية على رموز الفساد الكبيرة، وتبرئة مَن لديه السلطة من تحمّل المسؤولية العامة عن تفشي الفساد في مؤسسات الدولة بالرغم من أن ذلك مجافٍ تماما للحقيقة، إذ إن المسؤولية، كما هو معروف، بقدر السلطة ولا مسؤولية من دون مساءلة.

لهذا فالمواطنون غير مسؤولين عن المشاكل العامة وتفشي الفساد إلا بقدر مشاركتهم في سلطة إدارة شؤون الدولة والمجتمع، بعبارات أخرى، فإنه من دون نظام ديمقراطي حقيقي، ومشاركة شعبية واسعة في صنع السياسات العامة فإن اتخاذ القرار، وبالتالي، المسؤولية السياسية عن سوء إدارة الدولة والمجتمع، وعن تفشي الفساد المؤسسي وهدر الأموال العامة تكون محصورة في دائرة ضيقة للغاية لديها كل السلطة.