لأن تركيا، كما هو واضح، قد انتقلت مؤخراً من دائرة إلى دائرة أخرى بالنسبة إلى الأزمة في سورية، وإلى كل هذا الصراع المحتدم في المنطقة كلها، فإن المفترض ألا يبقى العرب ينظرون إلى رجب طيب أردوغان من ثقب علاقاته غير المفهومة وغير المبررة على الإطلاق بـ"الإخوان المسلمين"، فالمواقف السياسية هي أولاً مصالح، ولأنَّ المواقف متغيرة وغير ثابتة، فإنه لابد من النظر إلى أيِّ متغيرات مستجدة على أساس المصالح، وحقيقة فإن المصلحة العربية تقتضي التقاط توتر العلاقات الأخير بين أنقرة وطهران، والبناء عليه في ضوء كل هذا الذي يجري في المنطقة.
إن مصلحة العرب الخليجيين وغير الخليجيين تقتضي أن تكون العلاقات مع إيران وتركيا علاقات حسن جوار وعلاقات أخوية، يحكمها تاريخ طويل مشترك، وتحكمها مصالح مشتركة كثيرة، لكن ما العمل عندما تلجأ إيران بعد ثورة الخميني وقبلها إلى السعي المقترن باللعب على وتر المذهبية، وبالقوة العسكرية إلى التمدد الذي لم يتوقف إطلاقاً في هذه المنطقة العربية، وإلى التدخل في شؤون دولها الداخلية؟ وما العمل عندما فعلت هذه الدولة الشقيقة في العراق ما فعلته، وعندما حوَّلت ولا تزال تحول سورية، وأيضاً لبنان إلى ميدان للصراع المذهبي، بين أبناء الدين الواحد، بين الشيعة والسنة؟!الآن يمر الشرق الأوسط، وفي الحقيقة يمر العالم كله، بحالة استقطاب غير مسبوقة حتى في زمن الحرب الباردة وصراع المعسكرات، لذلك عندما تَتَّبِعُ إيران "الشقيقة" كل هذه الأساليب التي تتبعها في الكثير من الدول العربية، فإنه أمر طبيعي أن يسعى العرب إلى تقارب موضوعي مع تركيا، مع الحرص الشديد على الابتعاد عن الاستقطابات الطائفية والمذهبية، التي إن استمرت فإنها ستُدخِلُ هذه المنطقة في صراعات لا نهاية لها، وعلى غرار ما حدث في مراحل الصراع الصفوي- العثماني، الذي لا يزال يلقي ببعض الظلال حتى على العلاقات الإيرانية- العربية.إنه أمرٌ طبيعي عندما تتدخل إيران كل هذا التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية أن يلجأ العرب إلى التعاطي مع تركيا وفقاً لمعادلة... "تأجيل التعارضات إلى ما بعد حسم التناقضات"، وهنا فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار أن أنقرة، بعدما طفح كيلها، أصبحت تتحدث عن طهران بالطريقة نفسها التي يتحدث العرب بصورة عامة بها، حيث قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في أول تصريح لمسؤول تركي بكل هذه الحدة: "إن جهود الإيرانيين لتشكيل إطار شيعي أمر سيزيد من التوتر السني والشيعي والصراع الطائفي، وسيتسبب في بروز المزيد من التيارات المتطرفة في المنطقة".إنَّ المطلوب من الانفتاح السريع على تركيا، ليس إيجاد تكتل مواجه للتكتل الإيراني، فهذا أمر، إن هو حصل، فإنه سيزيد المنطقة توتراً ومأساوية، إنما التعاون البنّاء لمعالجة الكثير من القضايا الملتهبة، ومن بينها الأزمة السورية المتفاقمة، ومشكلة "داعش" التي أصبحت مشكلة العالم كله، ومشكلة الإرهاب الذي تعددت أشكاله ومسمياته، والذي لابد من التعاون الإقليمي والدولي للقضاء عليه.ربما يتوقف البعض، ونحن نتحدث عن ضرورة تجاوز مسألة "الإخوان المسلمين" ونسج علاقات مستجدة مع تركيا، عند بعض القضايا العالقة القديمة بين العرب وبين هذه الدولة الشقيقة، لكن ما يمكن أن يقال لهؤلاء هو أن الحاضر أهم كثيراً من الماضي، وهو أننا نتطلع إلى الأمام لا إلى الخلف، وهو أنه لا يجوز تحميل أجيالنا المقبلة أوزار مرحلة مضت وتجاوزها الزمن.
أخر كلام
ضرورة الانفتاح على تركيا!
24-10-2014