خطأ أردوغان الفادح!
ليس مستغرباً فقط، بل مدانٌ أيضاً ذلك الكلام الذي تحدث به رجب طيب أردوغان عن الرئيس عبدالفتاح السيسي وعن المتغيرات الديمقراطية التي جرت في مصر بعد ثورة (يونيو) 2013 وإطاحة نظام "الإخوان المسلمين"، والتي من المفترض أنها شأن داخلي مصري... نعم من حق أيٍّ كان أن يقول رأيه فيه، سلباً أو إيجاباً، لكن، بالتأكيد، ليس من حق الرئيس التركي أن يقول ذلك الذي قاله من فوق منبر الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي.لقد بقي العرب ينتظرون نحو ثمانية عقود متواصلة تغييرَ تركيا لسياسات ما بعد انهيار السلطة العثمانية تجاههم، وحقيقةً فإنهم استبشروا خيراً عندما فاز حزب العدالة والتنمية بالحكم، وعندما سطع نجم رجب طيب أردوغان، فهذه الدولة (تركيا) لها مكانة خاصة لدى أهل بلاد الشام والهلال الخصيب ومصر ولدى الدول العربية كلها، فهناك تاريخ طويل مشترك، وهناك رابطة الدين الإسلامي المقدسة، وهناك الموقع الجغرافي كبوابة نحو أوروبا والغرب كله، وهناك المصالح المشتركة التي هي في غاية الأهمية.
ولذلك فإن العرب، وفي مقدمتهم مصر والشعب المصري، الذي يشكل الثقل الأساسي في الأمة العربية كلها، كانوا، بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بانتظار أن يصبح التوجه الرئيسي لتركيا من الغرب والشمال إلى الجنوب، وأن يستعيد الأشقاء الأتراك مكانتهم المفترضة في هذه المنطقة والشرق الأوسط كله، لكن كل هذا، إذا أردنا أن نكون أكثر صدقاً وصراحة مع "أشقائنا"، قد أصيب ببعض الاهتزاز بعد المواقف المثيرة للاستغراب التي اتخذها أردوغان ضد مصر ما بعد سقوط حكم "الإخوان المسلمين"، ومن بينها ما قاله من فوق منبر الأمم المتحدة الثلاثاء الماضي. ما كان ضرورياً، بل هو خطأ فادح بحق تركيا وبحق مصر وبحق العرب والدول العربية، أن ينحاز رجب طيب أردوغان كل هذا الانحياز إلى حزب سياسي هو حزب جماعة الإخوان المسلمين، وأن يَحشر هذا البلد العظيم الكبير (تركيا) في زاوية ضيقة، وأنْ يتعامل مع قضايا سياسية كبرى، من فوق منبر الأمم المتحدة وأمام سمع وبصر العالم كله، من منطلقات شخصية وذاتية، وكأن الأمر مجرد مشكلة شخصية بينه وبين عبدالفتاح السيسي الذي هو الآن الرئيس المنتخب لجمهورية مصر العربية.إنَّ رجب طيب أردوغان هو رئيس الجمهورية التركية، وكان رئيس وزراء تركيا، ولذلك فإن المفترض أنه يمثل هذا البلد ومصالح هذا البلد، وأنه يمثل الشعب التركي ومصالح الشعب التركي، لا مصالح حزب الإخوان المسلمين الذي لم يترك دفاً إلاَّ ورقص عليه، والذي بقي يغير مواقفه، خلال أكثر من ثمانين عاماً، كما كان ولايزال شيوخه وقادته يغيرون ملابسهم.ألمْ يكن أفضل لِلْـ"أركاداش" رجب طيب أردوغان ولتركيا ومصالحها لو أن رئيس الوزراء السابق ورئيس تركيا الحالي لم يخضع لنزوته الحزبية كعضو في "الإخوان المسلمين" وكأحد القادة الكبار لهذه "الجماعة" وقام بالوساطة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، وما بعد ثورة 30 يونيو وبين "إخوانه" المصريين... أمَّا أن يحشر بلده في الزاوية "الإخوانية" وهو رئيس هذا البلد الكبير الذي له مصالح "استراتيجية" في مصر وفي الدول العربية، فإن هذا ستكون عواقبه وخيمة إنْ لم يتم تدارك الأمور بسرعة.