أشارت المصادر إلى أن هناك العديد من المشكلات التي ظهرت من نتائج المرحلة الأولى للمشروع، مثل تكوّن ترسبات ملحية حول أنابيب التبطين.

Ad

نعود مرة أخرى في هذا التقرير إلى شركة نفط الخليج، وهي إحدى الشركات التابعة لمؤسسة البترول الكويتية، التي تطرقنا إليها مرارا، خاصة في ما يتعلق بغموض هذه الشركة، حيث ذكر تقرير ديوان المحاسبة أن الشركة مستمرة في عدم قيامها بالبدء في تنفيذ بعض المشروعات الرأسمالية المعتمدة منذ فترات طويلة بلغ عددها 40 مشروعا، ويرجع بعضها إلى عام 2006، ومرورا بتسليم مستشار يحمل الجنسية التركية زمام العديد من اللجان المهمة في الشركة.

وهذه المرة سنتطرق الى أحد أهم المشاريع التي تحدث عنها كل من ترأس إدارة هذه الشركة، وهو مشروع "الحقن بالبخار" لمكمن الآيوسين في منطقة العمليات المشتركة بالوفرة.

ففي أكتوبر 2007 قال رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب آنذاك عبدالهادي العواد، وهو حاليا عضو مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية "تم تصميم المشروع بجميع مراحله حتى الوصول الى مرحلة التطبيق الكلي على كامل الحقل المستهدف خلال مدة قد تتعدى 10 سنوات، وتهدف الخطة الى البدء بحقن أول كمية من البخار في المكمن نهاية 2008، حيث تبلغ قيمة المشروع التجريبي 95 مليون دينار مناصفة بين "نفط الخليج" و"شيفرون السعودية"، وستكون العوائد التجارية واضحة بعد التوسع في تطبيقه على كامل الحقل، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة تتعدى 10 مليارات دولار".

نضوب مكمن الوفرة

وأضاف: "ولكن هذا المشروع ذو تكلفة مادية عالية، فقد يواجه بعض الصعوبات الفنية، لذلك ارتأت شركتا نفط الخليج وشيفرون السعودية أن يتم التخطيط ومن ثم الإنجاز لهذا المشروع على عدة مراحل، مرحلة الدراسة المستفيضة للمشروع والمرحلة التجريبية المصغرة، وقد انتهينا من هاتين المرحلتين، ونحن الآن في المرحلة التجريبية الموسعة التي بدأت فعليا في يونيو 2009، وسوف يتم استخلاص نتائجها مع نهاية 2011". وإلى اليوم لا أحد يعرف ما هي نتائج وجدوى المشروع!

وفي المقابل، أكدت مصادر عملت في هذا المشروع أن هناك عدم يقين في كفاءة البخار بأداء المكامن خاصة في عملية إزاحة النفط، وخاصة أن عوامل الطبيعة التي يطبق فيها المشروع غير متجانسة، وتحتاج الى اختبارات كثيرة وخاصة للبخار ونوعيته وحرارته وكمية البخار في إشباع المكمن، وكيف تكيف المنشآت السطحية من التعقيدات والاختلافات، مشيرة إلى ان المكامن الموجودة في الوفرة تختلف عن مثيلاتها في الكويت، فمكمن الوفرة ناضب ووصل الى مراحل الشيخوخة، وعملية تنشيطه صعبة جدا، ويتطلب التدخل بالغمر بالبخار، حيث تم استنفاد جميع البدائل والوسائل لإنعاش المكمن، وما تبقى إلا البخار الذي أثبت حتى الآن فعاليته في بعض المكامن، متمنية عدم التوسع أكثر في المشروع، لأن هناك مخاطر من ناحية الإنتاجية والربحية والمشكلات الفنية اليومية.

ترسبات ملحية

وأشارت المصادر إلى أن هناك العديد من المشكلات التي ظهرت من نتائج المرحلة الأولى للمشروع، مثل تكوّن ترسبات ملحية حول أنابيب التبطين التي تصنع عادة من الاستيل الذي يتحمل درجات حرارة عالية، إذ يتفاعل الاستيل مع غاز الكبريت المستخرج من المكمن، ما يؤدي الى تآكل الأنابيب.

وأضافت أن جميع المواد المطلوب استخدامها في هذا المشروع مكلفة جدا، ما يؤثر في الجدوى الاقتصادية للمشروع، مشيرة إلى أن دراسة الجدوى التي تم تقديمها للمشروع كانت تعتمد على أسعار النفط فوق الـ100 دولار، والآن الأسعار انخفضت، ما تنتفي معه الجدوى الاقتصادية.

وبعد سرد هذه المعوقات للمشروع، نرى شركة نفط الخليج تصر على المضي في المشروع، رغم التأكيدات على عدم الجدوى منه، إذ تقدر تكلفته خلال المرحلة الأولى ما يقارب 3 مليارات دولار مناصفة مع الشريك السعودي في المنطقة، ومن المتوقع أن يتم ضخ البخار في الحقول في عام 2020.

والأغرب من كل ذلك هو أن الأميركان المسؤولين على المشروع، وتحديدا المدير وصاحب القرار "بول" حاليا في هيوستن، فكيف تتم إدارة مشروع ضخم ومعقد والمسؤول عنه خارج البلاد؟!

 والسؤال الآخر: هل اتضحت الصورة الكاملة للمشروع، وتم عرضها على متخذي القرار للاستمرار في المشروع أو التوقف؟ وما هي الطرق البديلة التي تكون أقل تكلفة من حقن البخار؟

باهظة التكلفة

وتقول "إيمي مابرز جاف" التي تدير منتدى الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس في هيوستن: من أجل الوصول إلى النفط الثقيل في "حقل الوفرة"، يعمد العمال إلى إدخال البخار إلى باطن الأرض بغية تسخين النفط وجعله أقل لزوجة، والسماح له بالتدفق إلى السطح، وتعتبر هذه التقنية محيرة من حيث إنها باهظة التكلفة وغير مؤكدة في نوع الصخور التي تحتوي على نفط "حقل الوفرة".

وأضافت جاف في تقرير نشر في "وول ستريت جورنال" أن من أجل النصف الخاص بها في هذا المشروع عمدت السعودية إلى طلب المساعدة من شركة "شيفرون" التي تملك خبرة ممتدة لعقود عدة في استخراج النفط الثقيل من حقول في ولاية كاليفورنيا، وكذلك في تايلاند، وتعد هذه فرصة نادرة بالنسبة إلى شركة نفط غربية من أجل الحصول على قطعة من أكبر احتياطيات العالم من النفط.

وتقوم الأنابيب بنقل البخار إلى الحقل النفطي، إذ يتم حقنه في باطن الأرض ليخفف من سماكة النفط الثقيل وتسهيل ضخه، غير أن هذه العملية تنطوي على مغامرة أيضا، وذلك لأن هذا المشروع يمثل درجة أكبر من التعقيد تفوق ما قامت به شركة "شيفرون" من قبل، وسيكلف المليارات من الدولارات ويحتاج إلى عقود من الزمن لإنجازه، كما أن شيفرون- وليس السعودية - ستقدم التمويل اللازم لإنجاح هذا العمل والتعرض للمجازفة المتعلقة بفشله.

الجائزة الكبرى

ويقع "حقل الوفرة" النفطي على بعد 30 ميلا من الخليج العربي وعلى امتداد طريق سريع تنتشر فيه كابلات الطاقة الكهربائية والأنابيب وقطعان الإبل، وهي تعبر الصحراء بين الحين والآخر. وفي داخل بوابات الحقل النفطي توجد المئات من المضخات تمتد قبالة غابة من منصات الحفر وأبراج الإذاعة وأعمدة المنشآت والمرافق، وتمتد الأنابيب عبر الرمال، وهي تجمع النفط الخام من أكثر من ألف بئر، ويذهب حوالي 45 في المئة من نفط "الوفرة" إلى الولايات المتحدة.

وهذا النفط هو من النوع الذي يسهل ضخه، غير أن الجائزة الكبرى تتمثل في الحصول على 25 مليار برميل من النفط الثقيل من حقل "الوفرة".

وتجري شركة "شيفرون" تجربة تمتد 4 سنوات وتكلف 340 مليون دولار في زاوية صغيرة من الوفرة، ويتم تخفيف لزوجة النفط الأشبه بالدبس بالتسخين، وتقوم أنابيب فضية اللون بحمل بخار تصل درجة حرارته إلى 600 فهرنهايت إلى باطن الأرض، وعلى مقربة تقوم شبكة من المضخات بنقل النفط إلى السطح.

يذكر أن شركة شيفرون لم تعلن التكلفة الإجمالية المتوقعة لهذا المشروع، غير أن الحكومة الكويتية قدرت في وقت سابق أنه سوف يكلف 10 مليارات دولار ويمتد على 10 سنوات.