... العنصرية تغزو أوروبا!

نشر في 17-05-2015
آخر تحديث 17-05-2015 | 00:01
 عبدالمحسن جمعة  لم يعد زحف اليمين الأوروبي نحو السيطرة على السلطة ومراكز القرار بعيداً، فكل الانتخابات التي تُجرى توضح ذلك، وآخرها فوزه في بريطانيا، ومع هذا الزحف يتسرب اليمين المتطرف معه ويصبغ المجتمعات الأوروبية بشكل قميء من العنصرية بدت متفشية في أقاليمه ومدنه، وهو ما يدفع هذه المجتمعات إلى إنتاج متطرفين على الجانبين، أحدهما يمارس عنصريته في التمييز في فرص العمل والسكن - ولا يمكن نقض هذا الوضع بحركات دعائية مثل تعيين مهاجرة وزيرة لوزارة هامشية، بينما يختار بنك موظفاً ويترك آخر لأن بشرته داكنة أو اسمه له دلالات عرقية أو دينية - بينما يمارس الطرف الآخر تطرفه بالهجرة إلى "داعش" في العراق وسورية.

الباحثة الألمانية في شؤون الحركات اليمينية المتطرفة زابينا شيفر اعتبرت حصول الأحزاب المتطرفة اليمينية الألمانية (حزب بديل لألمانيا) على 7 في المئة من أصوات الناخبين الألمان في الانتخابات الأخيرة، وكذلك تصدر الجبهة الوطنية الفرنسية المتطرفة، جرس إنذار يبين خطورة الوضع، وسيزيد من التمييز ضد الأجانب، وسيوجه إلى تنفيس الصراع بين الفقراء والأغنياء في أوروبا في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية من خلال إجراءات متشددة تجاه الأقليات.

وعملياً فإن ما تشهده المدن الألمانية والنمساوية، مروراً بعدة مدن أوروبية، وحتى بعض دول شمال أوروبا، يؤكد ذلك، فإنك تلحظ شعارات حركة "بيغيدا" (PEGIDA) التي تدعو إلى طرد المسلمين من أوروبا بالكتابة على الحوائط والمترو في فيينا وميونيخ وبرلين ومدن أخرى حتى استوكهولم، وأنا شخصياً، قبل أسابيع، لم يتم استقبالي في مطعم كبير في وسط فيينا مساء يوم أحد، الذي يخلو عادة من الزبائن، رغم وجود عشرات الطاولات الخاوية، بحجة أن الطاولات جميعاً محجوزة! وهو ما جعل أحد الموجودين يتحدث باللغة الألمانية إلى النادلة العجوز بحدة، ثم يقول لي بالإنكليزية "SORRY" وأنا أغادر.

ويحدثني صديق دنماركي من أصل مصري مقيم منذ ثمانينيات القرن الماضي في الدنمارك، أنه في السنوات الأخيرة، بعد 11 سبتمبر وأحداث الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أصبحت الأوضاع صعبة، وغدا، على سبيل المثال، استئجار شخص باسم شرق أوسطي لسكن في بعض عقارات مدينتي كوبنهاجن وأرهوس صعباً، ويقول: إنه رغم أن معظم المشاكل الأمنية والاقتصادية التي يشكلها المهاجرون من دول أوروبا الشرقية فإن التركيز يقع على العرب والمسلمين.

 كما أن قرار مجلس الدولة الفرنسي الأخير بإسقاط الجنسية الفرنسية عن مهاجر مغربي سيدفع إلى مزيد من التطرف بعد أن أصبحت الأبواب مغلقة على من يريد تعديل وضعه والتوبة، وكذلك هناك تساؤلات جدية هل سيسقط مجلس الدولة، بنفس المعايير، الجنسية الفرنسية عن اليهود الفرنسيين الذين يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان ويقتلون النساء والأطفال ويحتلون الأراضي بالقوة؟!

لا شك أن الوضع يؤشر إلى تفاقم المشكلة في معظم أوروبا، باستثناء جنوبها في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا حتى الآن، والمسؤولية عن ذلك تغذيها أخطاء مشتركة من الأوروبيين والجاليات العربية المسلمة يجب معالجتها، وتلعب وسائل إعلام، جذورها مرتبطة بإسرائيل، دوراً خبيثاً فيه، رغم ادعاء إسرائيل أن الحركات اليمينية المتطرفة الأوروبية تعادي اليهود فإن ذلك غير دقيق، فاليهود محميون بتشريعات أوروبية صارمة ضد معاداة السامية وإنكار المحرقة وخلافه، ولا يعانون أي تمييز في فرص العمل ومناطق السكن.

back to top