الأغلبية الصامتة: أركان الملك

نشر في 04-12-2014
آخر تحديث 04-12-2014 | 00:01
بطانة الخليفة الوليد بن عبدالملك زينت له أعماله بدعوى أن الله إذا استرعى عبداً كتب له الحسنات ولم يكتب السيئات، ولما استفتى الوليد، مؤدبه الزهري عن هذا الكلام، أجابه ببطلان ذلك، فالله سبحانه يخاطب نبيه داوود: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى».
 إبراهيم المليفي أمسك بي نَصٌّ بدل أن أمسك به، ولم يفلتني حتى تسلل إلى ذاكرتي كله، سحرتني كلماته النافذة رغم "أقدميتها" وتوسدها على ما هو أقدم زماناً وكياناً، وكأن النص الجيد مكتوب له الخلود مادام قادراً على النفع والإفادة. تحت عنوان "السلطان والأعوان" كتب د. محمد عيسي صالحية مقالاً مطولاً في مجلة العربي عدد فبراير 1983م عن طبيعة السلطان ونوعية الأعوان وقضية العدل "وكلها علامات استقرار السلطان وتثبيت دعائمه".

وفي القسم المتعلق بشروط الأعوان شرح الكاتب وفصّل، "فهم بطانة السلطان لا ينتظم حاله إلا بحسن اختيارهم، لأنهم آلات الملك، فإن اختلت كان تأثيرها مختلاً وفعلها معتلاً"، وأشار إلى تحذير مَن أسماهم مصنفي الأدب السياسي من الاستعانة بأصاغر الرجال على أكابر الأعمال، لأن هذا إذا وقع "فمصير الأمور إلى الخراب، وتضييع للعمل، وتلزيم للخلل".

وضرب المقال عدة أمثلة على بطانة السوء وشرورها، وتوقف أولاً عند بطانة الخليفة الوليد بن عبدالملك وكيف زينت له أعماله بدعوى أن الله إذا استرعى عبداً كتب له الحسنات ولم يكتب السيئات، ولما استفتى الوليد، مؤدبه الزهري عن هذا الكلام، أجابه ببطلان ذلك، فالله سبحانه يخاطب نبيه الخليفة داوود بقوله: "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ". (سورة ص، آية 26).

المثال الثاني لبطانة السوء كان من نصيب الخليفة المستعصم آخر خليفة عباسي في بغداد، وقد وصفها كاتب المقال، أي بطانة المستعصم، بأنها "الأنموذج الأعلى في الفساد وخلط الأمور وسوء نظرها، فالوزير خائر العزيمة، والحاجب الخاص جاهل"، أما الأخير فهو عبدالغني بن الدرنوس، كان يعمل حمالاً في بغداد، وفي أيام الخليفة المستنصر أصبح "براجاً" في بعض أبراج الخليفة، وأبلى في ذلك العمل البلاء الحسن، وعندما ارتقى المستعصم إلى منصب الخليفة اختص ابن الدرنوس وغير اسمه ليصبح "نجم الدين الخاص"، وعلت مكانته حتى كان يتدخل في تعيين الوزير، فكثيراً ما عزل وعين حتى تلاقى مع الوزير ابن العلقمي "سبة التاريخ الإسلامي" فأحرقا الدولة بشظايا نصائحهما المحرقة، وشهدا معاً نهاية الخلافة العباسية بسوء فعلهما وتدبيرهما.

خاتمة مقال د. محمد عيسى صالحية كانت جداً مؤثرة، وفيها تحدث عن صراخ الخليفة المنصور في طلب الأعوان، إذ قال: "ما كان أحوجني أن يكون على بابي أربعة نفر، لا يكون على بابي أعف منهم، هم أركان الملك لا يصلح إلا بهم، أما أحدهم فقاضٍ لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستقصي لي ولا يظلم الرعية، فإني عن ظلمها غني، وأخيراً عض على إصبعه السبابة ثلاثاً، وهو يصرخ، آه، آه، فسأله من حوله من حوله، ومن الرابع يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة".

back to top