الأديب محمد مهنا: «تابوهاي» التجريب في واقع تعيس

نشر في 23-03-2015 | 00:02
آخر تحديث 23-03-2015 | 00:02
يتخذ الروائي محمد مهنا المأزومية خطاً أساسياً في روايته الجديدة «تابوهاي» التي تتكون من نوفيلا «شبق» و{سومورو»، حيث يعاني الأبطال جميعهم الكبت والقهر والبؤس.
في حواره مع «الجريدة» أشار مهنا إلى أن الأسماء الغريبة للأعمال الأدبية تسهم في الترويج لها، موضحاً أنه اختار اللغة العربية الفصحى في «تابوهاي» بسبب إصراره أن يسود السرد دون اللجوء إلى الحوار.
ما الرابط بين «شبق» و«سومورو» المكونتين لـ«تابوهاي»، حيث تحكي الأولى عن فتاة بائسة تعيش في أسرة مفككة، أما الثانية فتسرد قصة مراهق أميركي أسود يعاني الاضطهاد والعنصرية؟

تربط بينهما فكرة المأزومية ، فشخوص الروايتين جميعها تعاني الكبت والقهر، والتوق إلى التحرر. الفتاة التي وصفتها أنت بالبائسة في «شبق» مأزومة، وتتنازعها صراعات شتى، ما بين وراثتها جسداً لافتاً، ومع ذلك لا تشعر بحلاوة هذا الإرث، الذي جاءها عن طريق أمها المماثلة لها، فهي تتصنّع العفة، حتى حين، والحين هو إيجاد اللحظة المناسبة للانطلاق. لذلك قاومت عيون «البصاصين»، فهي رغم مأزوميتها، ترفض أن تمنح الطرف الآخر لذة لا تشعر هي بها.

 تريد عندما تتحرَّر أن يكون قرارها بيدها. ورغم شعورها القاتل بتسلط أزمتها على حياتها، فإنها حددت لنفسها هدفاً، وهو أن يكون إرواء عطشها للحب مصاحباً لإرواء حبها للشعر، فهي وإن كانت مأزومة بجسدها، تراها مأزومة بتوهمها أنها قادرة على كتابة الشعر. وبالطبع كان من السهل عليها أن تجد صيدها الثمين في المأزوم الآخر، ذلك الشاب الذي يعاني اضطهاد والده له لسمرة بشرته التي ورثها عن أمه، ولعدم اعتراف الأب بموهبة ابنه الشعرية، وتسلطه دينيا، فهو يرى أن ابنه يتبعه الغاوون، بالضبط كما كان يراه أبوه، أي جد الشاعر.

ذلك الأب أيضاً مأزوم، ما بين تصنعه التدين ظاهرياً، وعدم قدرته على العدل بين زوجتيه.

 هي سلسلة من المأزومية، متوارثة في شخوص النوفيلا، يقابلها الأمر نفسه في نوفيلا «سومورو»، وإذا كنتَ أنتَ اختصرت، في سؤالك، الحكاية في اضطهاد الفتى الأميركي الأسمر المسمى سومورو، عنصرياً، فإنه ليس وحده المأزوم، بل قبله الراوي السكندري، ذلك الموظف بالشهر العقاري، الذي يحاول أن يخرج من واقعه البائس كموظف تقليدي، بالكتابة الروائية، وإن كان أقل مأزومية من غيره، لأنه استطاع أن يتحرر منها، بتبنيه تثقيف الفتى الأسمر سمير ابن البواب، وهو المماثل لقرينه الأميركي سومورو.

لماذا استنطقت في {شبق} أعضاء الجسد لتكون الراوي عن الأبطال، وهل تعتبر هذا خروجاً عن المألوف ومحاولة للتجريب؟

فلنعتبره كذلك، محاولة للتجريب، لا أستطيع أنا ككاتب الحكم على نجاحي فيها أو فشلي، فلننتظر رأي النقاد!

ما الرابط بين سمير النوبي الذي يعمل صبي خباز في الإسكندرية بعد تهجير أجداده، وسومورو الإفريقي الذي يبيع الورد والصحف، ويعاني العنصرية ضد السود في أميركا؟

 يبحث كلاهما عن المُخلص، والاثنان فوجئا أن مُخلصهما ليس المسيح، بل هو المسيح الدجال!

كيف؟

لأن المُخلّص لم يأتِ لهما بالفرج، بل بمزيد من المتاعب!

لماذا اخترت اسم {تابوهاي} كعنوان جامع للروايتين، وماذا تعني هذه الكلمة حرفياً، وهل الأسماء الغريبة للأعمال الأدبية تساعد في الترويج لها؟

أولاً، {تابوهاي} كلمة فارسية تعني محرمات. ثانياً، لم أجد أفضل من هذه الكلمة للربط بين مضمون الروايتين، حيث كسر التابوهات الثلاثة: الجنس، الدين، والسياسة. ثالثاً، سؤالك ذكي، تنتظر مني مراوغة، ولكنني متسق دائماً مع نفسي. فعلاً، لا أنكر أن الأسماء الغريبة تسهم في الترويج للأعمال الأدبية العربية، وهذا أمر مشروع لأي كاتب!

سيفسر البعض كسرك التابوهات الثلاثة، كمغازلة واضحة وصريحة لقائمة الأعلى مبيعاً... ما رأيك، خصوصاً أن الطبعة الأولى من رواية {تابوهاي} أوشكت على النفاد؟

أن أسعى إلى تشويق القارئ عبر عنوان غريب، لا يعني أن هدفي مغازلة قائمة الأعلى مبيعاً، فالتابوهات الثلاثة، مكسورة فعلاً لدى روائيين أهم مني، فلا أدعي أنني سبّاق لهذا، فقط فكرة أي عمل أكتبه تطور نفسها من دون تدخل مني، فأنا مجرد خادم مطيع للفكرة الروائية، ألبي طلباتها، وأرضي شطحاتها، وأدللها، حتى ترضى هي عني، قبل أن أرضى أنا عنها.

هل يستطيع المبدع أن يكتب أحداثاً في أعماله الأدبية تتنافى تماماً مع أفكاره ومبادئه؟

 

 كما قلت سابقا أنا خادم مطيع للفكرة، أدللها وأنميها، وبالطبع خادم مطيع لأبطال رواياتي، وأنا مثل الأب الديموقراطي الحقيقي، الذي يترك أبناءه يختارون مصيرهم، ويتمسكون بأفكارهم. لا أعارضهم، لأنني أثق في قدرتهم على الفرز بعد ذلك، هذه هي الحال مع أبطالي. ربما أقدم لهم نصيحة ولكن بشكل غير مباشر، بمعنى أنني قد أكتب روايات أخرى، أوضح فيها وجهة نظري السياسية، ولكن على لسان أحد الأبطال، وليس شرطاً أن يكون هو البطل الرئيس في العمل.

لك تصريحات تهاجم فيها أصحاب دور النشر وقلت إنهم لم يقدموا أي فائدة للثقافة والأدب، لماذا تنوي تدشين دار نشر خاصة بك؟

فكرة تأسيس دار نشر تخصني ليست وليدة اليوم، بل تعود بدايتها إلى عام 2000، وكنت فعلاً نشرت كتاباً على نفقتي لأحد الأصدقاء، هو كمؤلف، وأنا كناشر. وغرقي في العمل الصحافي المرهق باعد بيني وبين تحقيق حلمي. إذاً لا شأن لي بنجاح الناشرين الأدباء في تجربتهم أو فشلهم، فلديَّ هدف أسعى إلى بلوغه.

لماذا حرصت أن تكون لغة {تابوهاي} بالعربية الفصحى رغم أن أحداثها تناسبها العامية المصرية؟

لأنني اخترت أن يسود السرد فحسب، من دون اللجوء إلى الحوار في هذا العمل، وقد تجد بعض الكلمات القليلة بالعامية المصرية.

تأتي روايتك في عدد قليل من الصفحات، 70 صفحة، هل فعلت ذلك للتغلب على إحجام الشباب عن قراءة الكتب كبيرة الحجم، أم أن أحداث الرواية فرضت ذلك؟

لا نستطيع وصف الشباب بالملل من قراءة الأعمال ذات الحجم الكبير، فهم يقبلون على ذلك بكل ترحاب مع بعض الكتّاب المفضلين لهم، ولا داعي لذكر أسمائهم فهم معروفون، وهؤلاء لا يقل عدد صفحات كتبهم عن 300 صفحة، وقراؤهم في العشرينيات من أعمارهم. باختصار، لا أخطط لروايتي متى تنتهي، وبأي عدد من الصفحات أكتفي، فكما قلت مراراً، أنا خادم للفكرة فحسب.

back to top