وثيقة لها تاريخ: «الزين» مقاطعة في البصرة اشتراها الإبراهيم من السعدون
في صباح يوم الأربعاء 20 رمضان الموافق 11 مارس 1863م، انطلقت القافلة الإنكليزية برئاسة المقيم لويس بيلي ومعه مرافقوه، ومنهم حاجي أحمد من منطقة "جامع علي"، متجهين سيراً على الأقدام مع الجمال والدواب إلى قرية "الزين" المطلة على شط العرب. يقول حاجي أحمد في يومياته "ركبنا من الجامع قاصدين الزين، وصلناها الظهر والمسافة خمس ساعات، وهي قرية صغيرة من توابع البصرة على حافة الشط، كبيرها يوسف بن غانم...".
ومنطقة "الزين" من المقاطعات التابعة للبصرة، ذكرها قاضي البصرة أحمد نوري الأنصاري عام 1860م في تقرير له لوالي بغداد العثماني منيب باشا، مؤكداً أن مقاطعة الزين إشترى جزءا منها التاجر الكويتي عبدالله بن عيسى بن إبراهيم (والد الشيخ يوسف الإبراهيم) هي وجزيرة صغيرة مقابلة لها. ويشير نفس المصدر إلى أن "دورة الدواسر" القريبة من "الزين" يملكها أيضاً التاجر عبدالله بن عيسى بن إبراهيم، وأن "الفاو" تنسب لأهل الكويت. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة الى أن أهل الكويت امتلكوا منذ القدم أراضي شاسعة في البصرة وجنوبها، ووردت تأكيدات على بعض هذه الملكيات في نصوص موثقة لقضاة الكويت من أسرة العدساني يمكن الاطلاع عليها في كتاب "موسوعة الوثائق العدسانية الجزء الأول" الذي صدر قبل ثلاثة أشهر. ويُروى في مصادر موثقة أن الشيخ راشد السعدون قدم ثلاثة أحواز في منطقة "الفاو" عام 1226هـ (1811م) هدية للشيخ جابر العيش، الذي قام بتأجيرها على المير عبدالله الدورقي فعمرها بالنخيل كما ورد في كتاب التحفة النبهانية. ويعزز هذا القول ما ورد في وثيقة عدسانية من أن الشيخ دعيج بن جابر العيش أعطى لزوجته في عام 1863م نصف "جريب" (الجريب 3967م ويقول العم مشاري الحميضي إنه 100 نخلة) من أرض له في الفاو تسمى بـ "جريب بخيت".وفي منطقة الزين، سلم المقيم البريطاني بيلي باقي الأجرة للذين نقلوا أغراضهم وأمتعتهم من الكويت، وأخذ شهادة على ذلك ثم غادر وفريقه المرافق له إلى مدينة "المحمرة" بحراً. يقول حاجي أحمد: "سلمنا المكادية باقي أجرتهم وهي مايتين وثمانين قران، وأخذنا منهم قبض بشهادة يوسف بن غانم. ركبنا الأبلام قاصدين المحمرة فوصلناها ونزل الصاحب في النخل غربي البلد، وتوجهنا مع الحكيم صاحب إلى عند الشيخ محمد بن الشيخ جابر لأجل تعيين أبلام للمسير إلى الفلاحية".ومن المفيد هنا أن نذكر شيئاً عن مدينة المحمرة وحكامها، طالما أن اسمها واسم حكامها قد ورد في هذه اليوميات التاريخية، فنقول بإيجاز شديد أن المحمرة التي تم تغيير اسمها إلى "خرمشهر" في عام 1936 كانت مدينة مستقلة تحت سيطرة آل بوكاسب الذين ينتمون إلى بني كعب القبيلة العربية المعروفة. وأول من حكمها من البوكاسب هو مرداو بن علي، وجاء من بعده في عام 1812 ابنه يوسف الذي يعتبر مؤسس المحمرة الحديثة، والذي استمر في الحكم حتى عام 1829. وتولى الحكم بعد يوسف أخوه جابر بن مرداو حتى عام 1881، وخلفه ابنه مزعل حتى عام 1897، ثم استلم الحكم أخوه خزعل الذي ضم إلى حكمه كامل الأحواز، لكن عصره كان نهاية لحكم بني كعب، إذ تم اعتقاله من قبل شاه إيران وسجن في طهران عام 1925، ثم اغتيل عام 1936 وهو بالسجن، ودفن بالنجف في العراق بعد خمس سنوات من وفاته.