لجوء الدول النفطية للصناديق السيادية قد يحدث هزة في الأسواق العالمية
أسوأ السيناريوهات المحتملة للبلدان المنتجة للنفط مع استمرار تراجع أسعار النفط هو احتمال أن تضطر إلى استخدام صناديق الأجيال القادمة. وقد يؤدي أي انسحاب محتمل لصناديق الثروة السيادية إلى إلحاق أضرار بقيم العقارات التجارية في بعض أكبر مدن العالم.
يقول محللون إن البلدان المصدرة لمواد الطاقة التي كدست مليارات الدولارات من الأرباح المفاجئة في صناديق الاستثمار السيادية قد تضطر إلى السحب منها مع تراجع عائدات تصدير النفط الأمر الذي قد يحدث هزة قوية في أسواق الأسهم والسندات والعقارات في أنحاء العالم.وصناديق الثروة السيادية التي تستند إلى عائدات تصدير النفط فاعل رئيسي في التمويل الدولي إذ تحتفظ بما يزيد على خمسة تريليونات دولار من الموجودات وفقا لتقديرات ديفيد سبيجل خبير الأسواق الناشئة في «بي.إن.بي باريبا».
وأموال هذه الصناديق مقسمة في العادة إلى سلال مختلفة يخدم كل منها وظيفة معينة وتساعد على تعزيز الإنفاق الحكومي في أوقات هبوط عائدات الصادرات أو إدارة الأرباح المفاجئة على مدى عقود من أجل الأجيال القادمة.وبمقدور حكومة النرويج أن تنفق كل عام ما يصل إلى أربعة في المئة من صندوق ثروتها السيادية البالغ قيمته 850 مليار دولار وهو الأكبر في العالم لكنها لم تنفق سوى 2.8 في المئة في عام 2014 واستخدمت هذه الأموال في تمويل تخفيضات ضريبية.ويشكل صندوق تحقيق الاستقرار في نيجيريا نحو 20 في المئة من إجمالي صندوق ثروتها السيادية.استخدام مكونات الصناديقومع تأرجح اسعار نفط برنت الخام حول 70 دولارا للبرميل وهو ما يقل كثيرا في الوقت الحالي عن مستوى التعادل على صعيد المالية العامة في كثير من البلدان الرئيسية المصدرة لمنتجات الطاقة ومنها السعودية وروسيا ونيجيريا -ذلك المستوى الذي يكفل تحقيق توازن الميزانية- فإن كثيرا من الصناديق بدأت بالفعل استخدام مكوناتها الخاصة بتحقيق الاستقرار.وفي أكتوبر قالت حكومة النرويج انها قد ترفع السقف الخاص بمقدار ما يجوز لها استخدامه من صندوقها للثروة السيادية لمواجهة الآثار الاقتصادية لهبوط أسعار النفط.وقد هبط النفط أكثر من 20 دولارا في البرميل منذ ذلك الحين.وأما في روسيا فإن تراجع أسعار النفط يزيد من الضغوط لكي تستخدم أموال الثروة السيادية.روسياوتتطلع موسكو بالفعل إلى صندوقها للثروة الوطنية البالغ قيمته 82 مليار دولار كمصدر للتمويل في حالات الطوارئ للشركات التي تضررت من العقوبات الغربية التي فرضت على موسكو بسبب تدخلها في أوكرانيا.وتحوز صناديق الاستقرار في العادة المزيد من أدوات الاستثمار المنخفضة المخاطر لاسيما السندات التي يمكن بسرعة تحويلها إلى أموال سائلة. وقال سبيجل «الجزء الأكبر من أموال (صناديق الاستقرار) يجري استثماره في أدوات عالية الجودة وكثير منها في سندات الخزانة الأمريكية وسندات حكومية أخرى.»ونقل سبيجل عن تقديرات صندوق النقد الدولي إن الأموال التي يعاد استثمارها من عائدات صادرات النفط تجعل عائد سندات الخزانة الأميركية أقل بمقدار 50 نقطة أساس تقريبا عن المستوى المحتمل لولا هذه الاستثمارات.وقال سبيجل إن صناديق الثروة السيادية «تستثمر أيضا في أسواق الأسهم إلى حد ما» مشيرا إلى أن نيجيريا وكازاخستان والكويت وإيران أمثلة للبلدان التي تساعد فيها هذه الصناديق الخزينة العامة للدولة في أوقات الحاجة.صناديق الأجيال القادمةوأسوأ السيناريوهات المحتملة للبلدان المنتجة للنفط مع استمرار تراجع اسعار النفط لفترة طويلة هو احتمال ان تضطر الحكومات إلى استخدام الصناديق التي تدار من أجل الأجيال القادمة.ويتضمن هذا النوع من الصناديق السيادية في الغالب المزيد من الأدوات الاستثمارية الطويلة الأجل والأقل سيولة مثل العقارات. وشارك المستثمرون السياديون في بعض من أكبر صفقات العقارات والبنية التحتية هذا العام.وقد يؤدي أي انسحاب محتمل لصناديق الثروة السيادية إلى إلحاق أضرار بقيم العقارات التجارية في بعض من أكبر مدن العالم.وفي لندن على سبيل المثال تملك صناديق سيادية مثل جهاز قطر للاستثمار بعضا من أبرز المباني التجارية في لندن ومنها متاجر هارودز.سياسات حذرةوقال ستيفن كليفتون رئيس قسم وسط لندن في الشركة العقارية نايت فرانك: «أبقت صناديق الثروة السيادية تركيزها على وسط لندن ولكن من الصعب تقدير إجمالي حجم استثماراتها لأن الصفقات تجري في الغالب من خلال صناديق الاستثمار. ونحو 5.2 مليارات جنيه إسترليني (8.2 مليارات دولار) من الاستثمارات الخارجية في العام الماضي يمكن تصنيفها على أنها «خاصة» وقد يكون جانب كبير منها من صناديق سيادية».ويقول ماسيميليانو كاستيلي، رئيس الإستراتيجية في الأسواق السيادية العالمية في مؤسسة يو.بي.إس»، إن تأثير صناديق الاستقرار على الأسواق قد لا يظهر قبل مرور بعض الوقت.وقد تنتعش أسعار النفط، وحتى إذا لم تتعاف فإن الكثير من البلدان المصدرة للنفط لاسيما في الشرق الأوسط اتبعت سياسات تتسم بالحذر بما يكفي لتحمل انخفاض أسعار النفط عاما على الأقل.وقال كاستيلي: «أغلبية بلدان الشرق الأوسط انتهجت سياسات حكيمة للغاية وتحتفظ بمقادير كبيرة من الاحتياطات التي تمكنها من الصمود عاما أو عامين في وجه الأسعار المنخفضة للنفط بين 60 و70 دولارا».(رويترز)