اليمين الديني الفاشي الذي يمثل "داعش" حاليا صورته الحقيقية بات يشكل تهديدا مباشرا لدول المنطقة وشعوبها، وهو الأمر الذي ينبغي أن يُؤخذ، من الأنظمة والشعوب معا، على محمل الجدّ، فلا تنمية من دون استقرار ولا استقرر ما دام اليمين الديني الفاشي يضع السكين فوق أعناقنا، والسؤال المُلحّ الآن هو: كيف يا تُرى ستتعامل دول مجلس التعاون مع هذا الخطر الداهم؟

Ad

على ما يبدو أننا أمام ثلاثة سيناريوهات:

السيناريو الأول: استمرار التركيز على الجانب الأمني فقط، وتشديد القبضة البوليسية تحت وهم أن ذلك كفيل بمنع انتشار فكر اليمين الديني الفاشي والقضاء على الجرائم الوحشية التي يقوم بها، وهو الأمر الذي يعني استمرار احتكار السلطة والثروة معا، وإغلاق المجال العام، أي موت السياسة والتضييق على الحريات العامة والشخصية، وملاحقة المعارضة السياسية المدنيّة الديمقراطية وتهميشها مع التجاهل التام للأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي مهّدت الطريق ووفرت البيئة الحاضنة لانتشار رؤى "داعش" وإخوانه وأفكارهم وممارساتهم الوحشية.

 هذا السيناريو معناه استمرار السياسة الحالية والانشغال في لجة التفاصيل اليومية، وتضييع الوقت والجهد في معالجة نتائج الجرائم البربرية، في حين يتم تجاهل وإهمال الأسباب الجذرية التي ستفرّخ دواعش جدد، وإن اختلفت التسمية.

السيناريو الثاني: فتح خطوط اتصالات جديدة، وإقامة علاقات سياسية قد تؤدي إلى مشاركة بعض أطراف اليمين الديني الفاشي في الحُكم، ولاسيما تلك التي تُطلق على نفسها إعلاميا مُسمى "قوى دينية مُعتدلة"، في حين هي تُميز بين المواطنين وتُكفرهم.

 هذه القوى تسوّق نفسها إعلاميا على أنها هي "الضمانة" لعدم انتشار أفكار "داعش"، بالرغم من أنها هي ذاتها الحاضنة الأم التي أنتجت وتُنتج أفكاره، كل ما في الأمر أن "داعش" يعمل، كما قلنا في المقال السابق، بسياسة "حرق المراحل"، ليس ذلك فحسب، بل إنها تُردد مصطلحات وشعارات مُضلّلة من ضمنها الحديث الإنشائي المُرسل والمُستهلك عن "الديمقراطية" والتي لا تعني بالنسبة إليهم سوى آليات وإجراءات روتينية تمكنهم من الحُكم، أي أنها مجرد سلّم للوصول إلى السُلطة ثم يتم التخلص منه.

 عام 1991 عندما فازت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الجزائر في الانتخابات الأولية لخّص زعيمها "علي بلحاج" رأيهم في الديمقراطية عندما قال"... هذا يوم عُرس الديمقراطية، وهذا يوم مأتمها...، هذا يوم عُرس الديمقراطية لأنه بواسطة الانتخابات (صندوق الاقتراع ) وصلنا إلى الحُكم، ولكن هذا يوم مأتمها لأن الديمقراطية نظام كافر ولا علاقة له بالإسلام، وبالتالي يوم سنستلم الحُكم سنُلغي الديمقراطية، ونُقيم الحاكمية الإلهية". (صحيفة "الرياض" 8 يونيو 2006).

 ناهيك عن ممارسات جماعة "الإخوان" أثناء حكمها القصير لمصر، والتي كانت تهدف إلى تقويض أسس الديمقراطية، ومن أمثلتها الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس الجمهورية آنذاك د. محمد مرسي في نوفمبر 2012، وحصّن به قراراته السابقة واللاحقة من أي طعن أمام القضاء! هذا السيناريو مشابه للسيناريو السابق وقد يتم الجمع بينهما، وهذا معناه أن بيئة نشوء "دواعش" جدد ما زالت قائمة وبدعم أكبر.

السيناريو الثالث: الانفتاح الحضاري والثقافي على المستويات كافة، بما يحمله هذا المصطلح من معان، ثم تجديد الأُطر والهياكل السياسية والاجتماعية، التي أصبح بعضها منتهي الصلاحية وخارج العصر، وفتح فضاء العمل السياسي والعام مع إطلاق الحريات، وذلك للبدء بشكل جدّي في مشاريع بناء دول مدنيّة ديمقراطية حديثة تشارك الشعوب في إداراتها بمكوناتها الاجتماعية-السياسية كافة ومرجعياتها الفكرية المختلفة، وذلك من خلال دساتير مدنيّة ديمقراطية عصرية تقوم على أساس المواطنة الدستورية المتساوية في الحقوق والواجبات.

هذا السيناريو لا يعني إهمال الجوانب الأمنية الضرورية التي لا تتعارض مع حرية الإنسان وحقوقه وكرامته، كما أنه هو الخيار الوحيد الذي من الممكن التعويل عليه للقضاء نهائيا على فكر "داعش" وإخوانه وممارساتهم البربرية، وجرائمهم الإرهابية البشعة.