نحن جزء لا يتجزأ من العالم، ومن المهم متابعة الشأن الخارجي واتخاذ موقف تجاهه؛ لما لذلك من انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على وضعنا الداخلي، لا سيما في ظل الوضع الإقليمي والدولي الحالي الملتهب وغير المستقر، إلا أن الأهم هو موضوع الإصلاح السياسي الداخلي، حيث إنه الكفيل بالمحافظة على نظامنا الديمقراطي وتطويره، وهو أيضا بوابة الإصلاحات الأخرى الاجتماعية والاقتصادية.

Ad

 لهذا ينبغي عدم إهمال الإصلاح السياسي والديمقراطي تحت ذريعة الأوضاع الإقليمية والدولية المضطربة، فالتطور المدنيّ الديمقراطي، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في اتخاذ القرارات وصياغة السياسات العامة، وحماية الحريات، والعدالة الاجتماعية، وتحسين مستوى المعيشة، وتماسك الجبهة الداخلية، تعتبر قضايا في منتهى الأهمية عند الحديث عن بناء سياسة خارجية قوية ومتوازنة. ومع الأخذ في عين الاعتبار أن الإصلاح السياسي الشامل والجذري هو صراع مسافات طويلة، فإنه يتعين على العناصر والمجاميع السياسية والشبابية الناشطة في الشأن العام، وهي تطالب بالإصلاح السياسي والديمقراطي الذي لن يتحقق بين ليلة وضحاها، عدم الاكتفاء بمتابعة التصريحات اليومية لأعضاء الحكومة والتعليق عليها، وإهمال القضايا المعيشية المتعلقة مباشرة بحياة الناس مثل التعليم، والصحة، والتوظيف، والإسكان، والتلوث، وغلاء المعيشة، ورفع مستوى الخدمات العامة، فضلا عن ضرورة اتخاذهم موقفا واضحا وصريحا لا يتحمل اللبس تجاه تبنّي الحكومة سياسات اقتصادية نيوليبرالية مثل الخصخصة، وهي سياسات ستكون نتيجتها مزيداً من احتكار السلطة والثروة، والبطالة، وتحميل الفئات والشرائح الوسطى والطبقة الفقيرة تبعات انخفاض أسعار النفط وانحياز الموازنة العامة للدولة وسوء إدارتها، وهي قضايا معيشية توليها التنظيمات السياسية الوطنية الحقيقية أهمية قصوى فتضعها في مقدمة برامجها وأهدافها.

من هنا تأتي أهمية وضرورة المطالبة الجادة بإشهار العمل السياسي وتنظيمه على أسس وبرامج وطنية عامة، إذ يستحيل أن يكون هناك إصلاح سياسي حقيقي وتقدم اجتماع واقتصادي في ظل الفوضى السياسية، وتكاثر المجاميع القبلية والطائفية والعنصرية والانتهازية. وفي هذا السياق، تثار عادة قضية تقاعس أعضاء المجالس السابقة عن إصلاح الوضع السياسي العام وهي مسألة فيها شيء من الصحة، ولكن لا ننسى أنهم كانوا يعملون في ظل وضع سياسي غير سليم، ومن الظلم تحميلهم كل المسؤولية التي تتحمل السُلطة الجزء الأكبر منها، إذ إن عدم تنظيم العمل السياسي طوال خمسة عقود، والعيوب الواضحة في بعض المواد الدستورية المتناقضة في بعض الأحيان، فضلا عن العوار الواضح في النظم الانتخابية المعمول بها منذ بداية العمل البرلماني، وتدخلات المال السياسي، وتهميش السُلطة للقوى الوطنية الديمقراطية مع إفساح المجال واسعا للقوى المعادية للديمقراطية والحريات، جميعها عوامل جعلت من شبه المستحيل أن يستطيع أي عضو أو مجموعة قليلة من الأعضاء مهما كان إخلاصهم، ومهما كانت قدراتهم السياسية أن يغيروا في القوانين السارية، أو ينجحوا في إقرار قوانين إصلاحية جديدة ما لم تكن الحكومة راضية عن ذلك وموافقة عليه، حيث إنها تشكل لوحدها ثلث أعضاء مجلس الأمة على الرغم من أنها لم تُشكّل بالأساس من الأغلبية البرلمانية التي لا وجود لها أصلا في نظامنا الدستوري الحالي.