"ظل القضبان" رواية للشاب الكويتي علي التميمي، وهي تجربة حقيقية له في سجون أميركا، حين حاول الهجرة إلى كندا التي سلمته لأميركا بحسب اتفاقية أمنية بينهما، ومن هنا تبدأ معاناته في سجونها التي كتبها في هذه الرواية، وإن كنت أفضل لو أنه سماها سيرة ذاتية لتناسب كتابته التي حملت تجربة واقعية لحياة معاشة على أرض الواقع، وتمنحها إدهاشا أكثر لواقع غريب غير مصدق. من جهة أخرى، الرواية عمل معماري له متطلبات فنية وجمالية أكثر من مجرد قدرة على السرد التراتبي، لكن مع هذا الاختلاف على التسمية يبقى الكتاب وثيقة لتجربة إنسانية لشاب وضع في السجن دون أي ذنب جناه سوى أنه ذهب لكندا عن طريق أميركا دون أن يعلم بوجود معاهدة مع الولايات المتحدة التي لا تسمح بالهجرة عبر المرور بأراضيها، وكما برر الكاتب السبب بقوله: "لم نكن نعلم أن كندا كانت تخاف من الولايات المتحدة، ولم نكن نعلم أيضاً أن الولايات المتحدة الأميركية دولة الحريات والدولة الأولى العظمي تغار أشد الغيرة من كندا، لأنها لا تبعد سوى ربع ساعة من (ديترويت) الأميركية الغارقة بالمخدرات والعصابات والجريمة والبذاءة، بينما على الطرف الآخر من البحيرة الفاصلة كانت (أوتاوا) عاصمة كندا، حيث النمط الأوروبي الخالص واحترام حقوق الإنسان".

Ad

بعد تسليمه إلى الشرطة الفدرالية الأميركية يبدأ التميمي فصولاً من المعاناة في حياة سجونها من سجن "كالهوني كاونتي" إلى سجن "ديربورن" وسجن "مونرو"، وفي جميع هذه السجون يجد معاملة قاسية مزدرية صعبة دون أي سبب يبرر له معنى لسجنه والمعاملة غير الإنسانية، لكنه كشف عن سبب سجنه هو وصديقه محمد وبقية من هم في السجن وبعض من حاول العبور عبر النفق الأميركي، والذي يبدو غريباً جداً وغير متوقع حدوثه من جانب البلد الذي يطالب العالم بالحريات، حينما يقول: "كانت الولايات المتحدة تريد أن تلعب معي لعبة الكراسي الموسيقية، بأن أستبدل كندا وأرضى بطلب اللجوء إلى أميركا لأسباب عرفتها لاحقاً، فجميع شرطة الحدود والجمارك وأفراد دائرة الهجرة يمولون من قبل الولاية، فولاية متشيغن تدفع 100 دولار يومياً لكل سجين غير أميركي يطلب الهجرة، إضافة إلى أكثر من 5 آلف دولار من قبل مفوضية اللاجئين، حتى القضاة يتقاضون 5000 دولار عن كل جلسة هجرة".

تجربة علي التميمي في سجون أميركا كشفت عن الوجه الآخر لأكبر دولة تطالب بالديمقراطية والحرية للإنسان وتفرضها على الشعوب، بينما من يعرف ما يدور في كواليسها يجده بعيداً تمام البعد عما تطالب العالم به.

كتاب "ظل القضبان" وثيقة مهمة بينت وكشفت عن الوجه الآخر السري لبلد يحمل راية المطالبة بحقوق الإنسان والحريات، حيث يقول: "لا وجود لأي كيان ممثل للأمم المتحدة بالسجون الأميركية ليحمي السجناء من الدول الأخرى أو المهاجرين، هذا ما عرفته وعايشته... الأمم المتحدة ومقرها نيويورك، ليست أكثر من سيف مسلط على دول العالم الثالث".

شخصيات من بلاد مختلفة من المكسيك وإفريقيا والصين وروسيا وغيرها، خليط من بشر تعساء ضمتهم سجون ووحدتهم أحزانهم وآلامهم المشتركة التي تداخلت في بعضها البعض بسرد ضمها في كتاب قدمها للعالم ليقرأ مآسيها، كما كتبها علي:" هنا يتوقف الزمن... هنا تتباطأ الساعات بكسل، وهنا أيضاً تتداخل القصص والأشخاص والأحداث، وتتزامن الروايات بشكل عجيب وتحسب الساعات بغير وحدتها، وتتحدث الألسن بغير لغتها، وكأنك إنسان غريب".

تجربة علي التميمي تنتهي بعودته إلى الكويت التي أراد الهجرة والهروب منها ليس لسبب واضح سوى أنه يريد العيش متمتعاً بحرية أكبر من الموجودة في بلاده، لكنه في نهاية الأمر اكتشف أنه لا مكان يوفر له الأمن والراحة سوى وجوده في وطنه.

تبقى رواية التميمي أو سيرته كتاب إدانة مهماً لما يجري في بلاد يحلم بها الكثيرون من المتطلعين للهجرة إليها كملجأ لحرية يفتقدونها في بلادهم.

"ظل القضبان" هي أول عمل قرأته لعلي التميمي، وحين بحثت عنه في "غوغل" لم أجد إلا كتاباً واحداً، ولا أدري إن كان سيرة أم رواية، لكن مضمونه يبدو مهماً.