بلا بورصة... بلا حلول وهمية!
قصة البورصة الكويتية "حزاية" قديمة مملة ومكررة عن مؤامرات الكبار لزيادة الثروات، ومغامرات الصغار ليصيبوا شيئاً من فوائض النفط المهدرة. القصة تعاد فصولها منذ عام 1977 حتى يومنا هذا، مروراً بأزمة المناخ وتداعياتها الكارثية إلى قصص البنوك وشركات الاستثمار، التي تدخلت الحكومة لإنقاذها من مجازفات التعامل بالمشتقات المالية، وصولاً إلى التلاعب في المعلومات الداخلية من أعضاء مجالس الإدارات، والتداولات الوهمية وضياع مدخرات الآلاف من المواطنين في السوق.ومنذ 30 عاماً، والقوانين واللوائح توضع لإصلاح بورصة دولة الكويت، الأقدم في المنطقة والأولى في الخليج، بلا طائل منها، حتى وصلنا إلى هيئة أسواق المال وقانونها الذي أُقر بضغوط شعبية كبيرة بسبب التلاعب في البورصة وضياع أموال الكثيرين، وهو ما أغضب ملوك السوق، لأنه أوقف طرقهم المعتادة في الهيمنة والتلاعب في البورصة، فعاقبوا البلد بخروج أموالهم منها، وسحب البعض شركاتهم من قوائمها أو جمدها، فأضحى سوق الكويت للأوراق المالية جسداً مريضاً ومترهلاً ومترنحاً، بينما أسواق الدول الخليجية، التي أُنشئت بعده، منتعشة وتنمو بشكل مطّرد من حيث كمية التداول الكمي والنقدي والقيمة الاستثمارية للشركات المدرجة فيها، رغم قوانينها المتشددة وهيئاتها الرقابية الصارمة ضد أي تلاعب في تلك الأسواق.
مشكلة بورصة الكويت كسائر مشاكل البلد المتعلقة بالتنمية والمشاريع والإدارة العامة، وهي أن بعض مَن يضع القانون وبعض مَن ينفذه له مصلحة أو تحت تأثير من لديه مصالح وتعامل في البورصة، لذا فكل قرار يصدر لابد أن يراعيهم، وإن لم يكن كذلك حاربوه ودمّروا الشأن المتعلق به، كما يحدث للبورصة حالياً، والدولة لا تحاول أن تواجههم، بل تخضع في النهاية لرغباتهم. أما الحديث عن علاقة البورصة بأسعار النفط، فهو كلام بلا دليل، فعندما كان سعر برميل النفط يجاوز المئة والعشرين دولاراً، كان مؤشر البورصة الكويتية يصارع في القاع عند الستة آلاف نقطة، بينما لامس المؤشر الـ15 ألف نقطة عندما كان سعر البرميل 57 دولاراً فقط في العقد الماضي.لذا فإن سوقنا هو سوق "إرادة متنفذين" عبر المضاربات في المجال الذي تغيب عنه الضوابط والحزم في الرقابة، فعندما طبق قانون هيئة أسواق المال بدقة وكشف حقيقة عدد كبير من الشركات المدرجة في البورصة وحجم التلاعب فيها من الكبار، سحب الكبار أموالهم، واتجهوا إلى المضاربة في سوق العقار الذي تغيب عنه ضوابط المضاربات والضرائب المؤثرة على الحيازات العقارية الكبرى، فارتفعت الأسعار بشكل جنوني في الأراضي السكنية وخلافها دون رادع.وبشكل مبسط و"حسبة عرب" ودون بهرجة وتنظير، فإن اقتصادنا قائم على الإنفاق الحكومي، ومَن يُرِد أن ينعش البورصة فعليه أن يضمن ضخَّ جزءٍ محترمٍ من ذلك الإنفاق في الشركات المدرجة فيها، ومن دون لجان وتضييع وقت وصرف مكافآت باهظة لأعضائها، كما أن الصادق من السُّلطتين في حل مشكلة البورصة وتوزيع الثروة بشكل منصف، عليه أن يعدل قانون المناقصات العامة ليشترط "... أن تكون قيمة أي مناقصة حكومية 15 مليون دينار فما فوق للشركات المدرجة في بورصة الكويت أو ضمن شراكة مع إحداها بنسبة لا تقل عن 40 في المئة، وتستثنى من ذلك بقرار من مجلس الوزراء، لكل مناقصة على حدة، الأعمال ذات الطابع الفني الدقيق أو المتعلقة بالأعمال العسكرية والأمنية". هذا باختصار علاج البورصة الكويتية، الذي أثق وكثيرون من المتخصصين بأنه لو طُبِّق فستقفز مؤشراتها إلى الأعلى، وستتدفق أموال من الخارج عليها دون الحاجة إلى حلول وهمية أخرى، أو لأي تعديل لقانون هيئة أسواق المال، الذي لم يمضِ على تطبيقه حتى الآن خمس سنوات، وحتى لا يتم العبث به وتخفيف أدواته الرقابية، فيتمكن العابثون والمتلاعبون من العودة مرة أخرى إلى البورصة من "النافذة"، بعد أن خرجوا من الباب. ولكن السؤال المهم: هل تقبل الحكومة والمتنفذون المسيطرون على الباب الرابع من الميزانية العامة للدولة أن يشاركهم أحد فيه؟!