عقد في ساحة الإرادة، بناء على إعلانات مسبقة ودعوة من المعارضة، تجمع جماهيري للتعبير عن احتجاجات سياسية تخص العلاقة بين الحكومة والمعارضة، كان أحد الأهداف المعلنة للتجمع هو جمع عدد 100 ألف، ويبدو أن الحضور لم يصل حتى إلى 10 في المئة، تواترت أخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن نية عدة شخصيات معارضة إعادة خطاب «كفى عبثاً» الذي سجن بسببه النائب السابق مسلم البراك، وذلك كإثبات فعلي للتضامن معه، ولم يحدث شيء من هذا القبيل.

Ad

أغلب التجمع كان من حركة «حشد» التي يشغل البراك فيها منصب الأمين العام، ووجود عدد قليل من منتسبي حركة «حدس»، وبعض التيارات غير المعروفة جيداً في الشارع بأعداد قليلة، حسب ما قرأنا في وسائل التواصل الاجتماعي، كذلك حضور النساء كان لافتاَ، وحضرن بأعداد غير متوقعة، ولا نعلم هل هذا الحضور كان تضامناً مع المعارضة أم تعاطفاً مع البراك؟ وإن كنت أظن السبب الثاني.

كان التجمع باهتاً، وكأنه لا يمتّ إلى التجمعات السابقة بصلة، وكان واضحاً تأثير غياب البراك عنه، ووضح أكثر الزخم الكبير للنائب السابق، وبعد هذا التجمع اتضح أكثر أنه المحرك الأساسي للمعارضة، كما تأثر التجمع بغياب شخصيات كثيرة من المعارضة رغم توقع حضورها.

ولوحظ الارتباك في تنظيم التجمع، وسمعت عن مفاوضات مع البعض لإلقاء كلمات، وربما إعادة لكلمة «كفى عبثاً»، لكنها لم تنجح، ويبدو أن هناك أموراً حدثت قبل التجمع أو تطمينات حكومية، وبسببها لم نسمع كلمات حماسية كما هي العادة، وتبينت بعد هذا التجمع عدة معطيات، منها بروز حقيقة أن المعارضة ترتكز على الزخم الجماهيري لبعض رموزها، وهذا ليس عيباً، فالشخصيات السياسية في العالم كله تعتمد على الكاريزما الشخصية أكثر من أي شيء، وكان لغياب الكثير من كتلة الأغلبية وهي الكتلة الأهم في المعارضة تأثير سلبي.

الآن، وقد بدا واضحاً أن سجن البراك أصبح أمراً واقعاً، وأن القانون أخذ مجراه، فعلى المعارضة استيعاب الوضع الحالي، وأن مظاهرة هنا وتجمعاً هناك لا فائدة منهما، كذلك توجد أيضاً قرارات قضائية منتظرة بخصوص اقتحام المجلس والتعرض للقضاء، وقد تكون أحكاماً قاسية، ربما تغير الخريطة السياسية القادمة لمجلس الأمة إن لم تكن الحياة السياسية لعدد من التيارات التي سيكون قياديوها طرفاً في الأحكام المنتظرة.

يوماً بعد يوم، تثبت حركة «حدس» براغماتيتها في الممارسة السياسية، وعكس ذلك حركة «حشد»، فالأولى تمارس السياسة على ثقل وعقل وحسابات ومواءمة واضحة بين المرحلة السابقة ومعطياتها، والمرحلة الحالية ومعطياتها، وقد يتم إبعاد بعض الصقور في المرحلة الحالية وإحلال بعض الحمائم على طريقة «اخفض رأسك أمام الريح!»، ولا ننسَ أن «حدس» تملك «دكة بدلاء» ذات لياقة عالية.

حركة «حشد» تعتمد بشكل شبه كلي على مسلم البراك، واليد الواحدة لا تصفق! ورغم وجود السعدون وغيره من سياسييها، لكن من الواضح أن التأثير الأهم هو للبراك، وهو ما أثبته تجمع الاثنين الماضي، والمطلوب في الوقت الحالي الهدوء، وترك التجمعات والإنصات إلى صوت الحكمة، فهي ضالة المؤمن، وإعادة بناء جسور الثقة مع الحكومة، وهذا ليس عيباً، فهي حكومة الكويت وليست غريبة؛ لأن ما يحدث الآن أشبه بالعناد، وهذا دمار للعمل السياسي، أما المجازفة بعمل تجمعات لا فائدة منها فهي تهور ولعب في غير محله، وعلى رموز المعارضة أن يقودوا الشارع لا أن يقودهم فإن تنازلوا عنه أصبحوا لا شيء.

العمل السياسي يحتاج إلى تضحيات ونكران ذات وعمل دؤوب، وكما أن في المعارضة إيجابيات فهي لا تخلو من سلبيات كثيرة وعليها مراجعة أوراقها، وإعادة تقييم صحيح للمرحلة السابقة.

كما أن البرلمان الحالي غير موفق، وأداؤه سلبي، وليس فيه قوى سياسية ذات وزن، ولم يقدم أداء برلمانياً جيداً، ومن المهم حله وإقرار انتخابات مبكرة، وهذه هي فرصة المعارضة للعودة من جديد، ففي حالة إعادة الانتخابات ودخول المعارضة للمنافسة من جديد قد يتجاوز التغيير الـ60 في المئة.

سمعت اقتراحاً بعمل حوار مع الحكومة وهو رأي جيد، ولا أعتقد أنها سترفضه، فللحوار والمواجهة والمصارحة فوائد أكثر للجميع بدلاً من ندوات فاشلة لا تؤدي الغرض، والعمل السياسي يتطلب نفساً طويلاً، ولا أعتقد أن المعارضة ستستطيعه.

من خلال المعطيات السابقة يتضح أن الحكومة هي من تمسك بخيوط اللعبة السياسية، وهي صاحبة الإمكانات، وباستطاعتها ممارسة النفس الطويل وبسهولة، لذلك أنصح المعارضة بما قاله الأولون «كفٍّ ما تقواها صافحها».