قصة المضاربات بالأوراق المالية أو حقوق الملكية في الكويت قديمةٌ قدمَ عمليات التثمين والاستفادة من المعلومات الداخلية في بلدية الكويت، وسوق «الجت» وتداول «شتيات» القسائم التي كانت تخصص بموجبها الأراضي للمواطنين والقسائم الصناعية والمزارع والجواخير... إلخ ، فكل شيء في الكويت قابل للمضاربة والتداول في السوق السوداء، التي تكون خارج سلطة القانون وتحت سيطرة وتحكم المتنفذين الذين يجنون الأرباح الطائلة ويوزعون أجزاء من أرباحهم كيفما أرادوا وعلى من شاؤوا.
وبنفس تلك العقلية يريد المتنفذون أن تكون أسواق الأوراق المالية والأسهم (البورصة) في الكويت، ولا يمكنهم أن يتفهموا أن البورصة في الدول المحترمة تعكس انضباط الدولة الحديثة قانونياً، ومتانة أنظمتها وحالتها اقتصادياً، وقدرتها على حفظ وحماية حقوق جميع المتداولين كباراً وصغاراً في سوق الأسهم، ورغم التجارب المريرة التي مرت على الكويت منذ أربعين عاماً في سوق الأوراق المالية منذ أزمة المناخ الصغرى 1977 والمناخ الكبرى 1981-1982 حتى أزمة 2008 المالية، فنحن لا نتعلم من تجاربنا أو بالأحرى الدولة لا تريد أن تتعلم، وتعود لتخضع لمطالب ورغبات المتنفذين. افتتاحية «الجريدة» الأحد الماضي وضعت النقاط على الحروف بشأن التعديلات التي ستجرى على قانون هيئة أسواق المال، والتي تعني عملياً تفريغ القانون من محتواه والعودة إلى حالة صالة القمار التي يديرها عدد من «الهوامير» بمسمى «البورصة»، تحت وطأة ضغوط البعض الذي يحجب الأموال عن سوق الكويت بمشاركة جزئية ومدروسة للأسف من جهات رسمية للدفع لإقرار التعديلات، وهو ما تم تقريباً في المداولة الأولى التي مرت الأسبوع الماضي. وهو فعل يلمح إلى أن البعض غير معني بسمعة الكويت الاقتصادية، في حين أن أشقاءنا في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة قطر ترتقي أسواقهم إلى مرتبة الأسواق الناشئة عالمياً بسبب صرامة ودقة الرقابة على أسواقهم المالية وقوانين الشفافية والنزاهة. ردة فعل الحكومة والمتنفذين الذين بالتأكيد سيفوزون في ظل الظروف الراهنة بنسخ قانون أسواق المال ولن ترده الحكومة، وردودهم وتوضيحاتهم معروفة، وسترتكز على أنهم يريدون إزالة المعوقات لعودة الانتعاش للبورصة، وهو كلام حق يراد به باطل، لأن خمول وضعف البورصة الكويتية سببه الرئيسي هو أن إنفاق الدولة لا يمر من خلال الشركات المدرجة، بل يذهب للمؤسسات الفردية والشركات العائلية ووكلاء الشركات العالمية بالعمولة، والدليل أن دخول الإنفاق العسكري الأميركي الضخم أثناء وبعد حرب تحرير العراق في عام 2003 إلى الشركات المدرجة في بورصة الكويت أحدث الطفرة التصاعدية الضخمة التي استمرت خمس سنوات. بل إن مسؤولين حكوميين يعلمون يقيناً أنه لو أُقر تعديل على قانون المناقصات الحكومية الآن يشترط أن أي مناقصة في القطاع الحكومي والنفطي تزيد قيمتها على 50 مليون دينار يجب أن تكون مع شركة مدرجة في بورصة الكويت أو مع شركة لديها شراكة مع شركة مدرجة، لشهدت بورصة الكويت قفزات ستستمر أسابيع لا أياماً فقط، خاصة أن النشاط الاقتصادي والدورة المالية في الكويت مرتكزة على الإنفاق الحكومي بنسبة ساحقة. ولكن بالتأكيد لن يحدث مثل هذا التعديل على قانون المناقصات في الدولة من قبل مؤسساتها الدستورية المعنية سواء في الحكومة أو مجلس الأمة، لأن «كيكة» المناقصات والإنفاق الحكومي لها توزيع معين وبروتوكولات سرية لا يجوز أن تطرح للعامة! ولذلك فإن الأسهل هو تخريب قانون ضبط رقابة البورصة والعودة إلى مراحل المضاربات وعبث المتنفذين والمضاربين في سوق الكويت على حساب الأغلبية من صغار المستثمرين وبعض كبارهم الملتزمين بالقانون والأمانة والشرف.
أخر كلام
البورصة... ويا «طلابة» البورصة!
29-03-2015