أسلوب حياة يحمينا
داعش تنظيم خرج من عباءة تنظيم القاعدة، والقاعدة خرجت من مظلة تنظيم الإخوان المسلمين، والإخوان المسلمين خرجوا من رحم الفكر الديني السلفي، لذا لن يفيدنا كثيراً إنكار أن هذه الحركات المتطرفة صنيعتنا، بل إن هذا الإنكار هو أخطر ما في هذه المشكلة الرهيبة، ولن يجدينا نفعاً كذلك التبرؤ مما يصنعون بإطلاق صفات ومسميات أخرى لهم لإثبات عدم انتسابهم إلينا مثل الفئة الضالة، أو الخوارج، أو الشاذين عن المنهج القويم إلى آخر هذه التصنيفات، وقد ثبت فعلا عبر السنين الماضية أنه لن ينقذنا أبداً الدعوى والمناداة بتغيير الخطاب الديني ليصبح وسطيّا لا غلوّ فيه، فغالبا ما يزايد المتطرفون على أصحاب هذا الخطاب ويتهمونهم بموالاة السلطة من أجل مصالحهم الشخصية الضيقة، ضاربين عرض الحائط بمصالح الله في الأرض! كما أثبتت التجربة العملية فشل محاولة السلطة إطالة شعر ذقنها ومحاولة لبس اللباس الديني ليسحبوا البساط من تحت أقدام هذه الفئات المتطرفة وإسقاط حجّتها، إذ انه مهما بالغت السلطة في محاولة التنكر بالزي الديني، فأقصى ما ستصل إليه هو تحويل المجتمع إلى بازار ديني مفتوح، وهي لن تصل إلى سقف المطالب الدينية المتطرفة بأي حال من الأحوال إلا على جثّتها، لأن هذا السقف سيرتفع أكثر ولن يقف عند حد إلا بانتزاع السلطة المطلقة! لذا لن نتمكن من محاصرة التطرف بالتبرؤ من معتنقيه، ولا بمحاولة وضع الإكسسوارات والمكياج اللذين من شأنهما إبراز جمال خطابنا الديني، فكل مساحيق التجميل هذه ستغسلها أول قطرة دم ستنزف نتيجة أي عمل إرهابي، وسيسقط الكثير من الإكسسوارات مع أول دويّ لصوت حزام ناسف.
النصوص الدينية ثابتة لن تتغير إلى ما شاء الله، لكن الفكر هو الذي يتغيّر، فمسألة تعديل الخطاب الديني لن تحل المشكلة تماماً طالما بقيت النصوص التي يمكن تفسيرها بغير مصلحة الخطاب المعتدل، لذا لا بد من العمل على صياغة فكر اجتماعي عميق يرفض رفضاً الخطاب المتطرف ولا يتناسب معه، فإذا كان معتنقو الفكر الإرهابي يستسهلون الموت فيفترض بالسلطة ألا تصعب الحياة على أفراد المجتمع، وأن تجعل الاستمتاع بالحياة بظروفها اليومية أكثر إغراء من البحث عنها في الموت! وإذا كان فكر الإرهابيين ضيقاً لا يتسع لسواهم، فيفترض بالسلطة أن تتسم بفكر رحب يتسع للجميع. وإذا كانت ممارسة العنف في المجتمع ديدنهم، ففي المقابل لابد أن يكون السلام هو أصل العلاقة بين السلطة وأفراد المجتمع، وإذا كانوا ملغّمين بالكره والحقد ضد الآخر، فيفترض بالسلطة أن تدعم الحب بكل أشكاله وصوره في المجتمع وتحفظ قيمته العليا بين أفراده. ولا بد أن يشرْعِن القانون كل هذه الممارسات ويحميها، ويجعلها أسلوب حياة في كل المجتمع. باختصار، إذا أردنا أن نحمي المجتمع من أثر الفكر المتطرف فعلينا أن نربي أفراد المجتمع على أسلوب حياة لا يتماشى وأسلوب الحياة التي يسوق لها هذا الفكر، فنحن لن ننجح بمحاربة المتطرفين إذا ما سرنا معهم في نفس الدرب وادّعينا أنهم توغّلوا فيه أكثر، فهذه بالنسبة للمتطرفين حجة علينا وليست لنا.