في أغسطس عام 2013، منعت السعودية طائرة الرئيس السوداني عمر البشير من عبور أجوائها في طريقها إلى إيران. وعبّرت هذه الحادثة بوضوح عن تردي العلاقات بين الخرطوم والرياض من جهة، والتقارب الكبير الذي جمع السودان بإيران من جهة أخرى.

Ad

لكن تلك الحادثة، أصبحت صفحة من الماضي البعيد، فالعلاقة المتوترة بين السعودية والسودان تبدلت جذرياً خلال ساعات تاريخية معدودات، وحلّت مكانها علاقة صداقة وتعاون وثيق لم تقرب فقط بين البلدين، بل جعلت السودان يشارك في تحالف «عاصفة الحزم» الذي تقوده السعودية في عملياتها العسكرية ضد المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس علي عبدالله صالح المنقلبة على الشرعية.

لهذا التحول التاريخي قصة، فقد قام البشير أخيراً بزيارته للسعودية، والتقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز. وبعد الحفاوة السعودية الكبيرة بالضيف السوداني اجتمع مع وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان في لقاء مطول اتسم بالشفافية والصراحة حول عدد من القضايا الجوهرية في علاقة السودان بالسعودية وبمحيطها العربي التي كانت في أسوأ حالاتها. بمجرد أن انتهى الاجتماع حدث التحول التاريخي الذي لم يتوقعه أحد، وأعلن البشير مشاركة القوات السودانية بشكل رسمي في التحالف الخليجي والعربي، قاطعاً علاقته مع إيران التي بدأت مطلع الثمانينيات.

دخل الرئيس السوداني غرفة الاجتماع مع الأمير محمد بن سلمان حليفاً إيرانياً وخرج منها حليفاً سعودياً، بل مشاركاً القوات الخليجية العربية ضد القوات المنقلبة على الشرعية. ولم يكتفِ الرئيس السوداني بإعلانه الانضمام للتحالف جواً وبراً، لكنه أصدر قراراً يقضي بطرد جميع البعثات الإيرانية من الأراضي السودانية، في خطوة تعلن عن عودة السودان المؤكدة إلى المحيط العربي.

دبلوماسية الأمير محمد بن سلمان نجحت في مهمتها بتحويل الوجهة السودانية من إيران إلى السعودية والعالم العربي، على الرغم من قدم العلاقات بين الطرفين السوداني والإيراني وتشابكها على مستويات عدة، الأمر الذي يشير إلى المهارة والفعالية التي أديرت بها المفاوضات التي أنهت علاقة استمرت لعشرات السنين.

التداخل بين البلدين ليس حديثاً، ولكنه يعود إلى عام 1984 الكبير حينما افتتحت أول مؤسسة ثقافية إيرانية في الخرطوم، زادت بعد نشاطات طهران التوسعية داخل الأراضي السودانية على المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية، زارعة بذور الشقاق في الداخل السوداني، ومؤثرة بشكل كبير على علاقتها مع جيرانها العرب.

كل ذلك انتهى بعد جلسة الاجتماع الشهيرة مع الأمير محمد بن سلمان، التي أعادت السودان إلى حضن العالم العربي بعد عقود من القطيعة.

(الرياض- العربية)