ترددت كثيراً في مشاهدة فيلم "نظرية كل شيء" لأسباب كثيرة، أقلها أن الفيلم سيعيدني لأيام لا أريد أن أستعيدها الآن على الأقل. لقد ارتبطت بالرجل ارتباطاً روحياً، وكنت متابعاً جيداً له منذ صدور كتابه "تاريخ موجز للزمن" عام 1988، واقتنيته صيف 1989، وانتهيت من ترجمته بمساعدة زميلة من كلية العلوم مطلع عام 1990، وحاولت نشره عن طريق المجلس الوطني للفنون والآداب، والتقيت بالفعل الأستاذ صدقي حطاب، الذي رفض نشر الكتاب لأنه كان قد صدر في الأردن قبل أسبوعين، حسبما أخبرني، وسلسلة عالم المعرفة لا تطبع كتباً تم نشرها في العالم العربي.

Ad

فكرت في النشر على نفقتي الخاصة، لكني كنت أعرف أن قرّاء كتاب كهذا لن يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. هنا ليس كهناك، هناك باع الكتاب مليون نسخة في الأسابيع الأولى، وتصدر قائمة الكتب لأكثر من ثلاثين أسبوعاً، واستمر ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لأربع سنوات متتالية، وباع عشرة ملايين نسخة في العشرين سنة التي تلت صدوره، وتُرجم لأكثر من خمس وثلاثين لغة. أتمنى ألا يسألني أحد عن النسخة العربية.

في عام 1988 وما قبله هاجر الفلاسفة الكتابة العلمية، واتجهوا إلى فلسفة الكلام وبنائه واللسانيات، وهجرهم القارئ العادي الذي لا يفهم الخطوط والمثلثات التي يرسمونها، وهو غير معني أساساً بصراعهم، واكتفى الفلاسفة بقراء نخبويين، قليل منهم يستطيع أن يفك طلاسمهم. كان ذلك يضايق العالم الرياضي والفلكي الذي يرى أن فكرته عن الكون مهمة للقارئ العادي، وعلى أحدهم أن يقدمها له مبسطة خالية من المعادلات الرياضية الصعبة. لذا قرر ستيفن هوكنغ، الذي يعاني مرضاً شل حركته وأوقف نطقه، أن يكتب هو هذا الكتاب. أخبره الناشر أن أي معادلة ترد في الكتاب سيفقد بها نصف القراء. وبقيت معادلة أينشتاين الشهيرة، التي لم يتمكن هوكنغ من الاستغناء عنها.

حقق الكتاب شهرة لكاتبه، وأخرجه من أروقة كيمبردج إلى الإعلام والأفلام الوثائقية حتى الفيلم الذي تناول حياته الخاصة التي طرحها هوكنغ نفسه في كتابه "تاريخي الموجز".

ورغم أن الأكثر إبهاراً في الفيلم هو أداء بطل الفيلم إدي ريدمين، الذي أتقن شخصية ستيفن هوكنغ خلال مراحلها الحياتية، وبذل جهداً مضاعفاً ليشكل في حركته فضاء الفيلم الوحيد والأكثر إقناعاً، فإن الفيلم كان مغايراً للحقيقة التي يعرفها الإعلام عن علاقة ستيفن هوكنغ بزوجته الأولى، التي ارتبطت بموافقته بالعازف جوناثان جونز، واتفقت معه على ألا تترك عائلتها، ولم يطلقها هوكنغ إلا بعد سنوات من ارتباطه بزوجته الثانية، وعاد ليعمل معها ثانية في مشاريع أخرى، واشتهرت هي أيضاً بكتابين عن حياتها مع ستيفن.

الدرس الأكثر أهمية في الفيلم أو حياة الرجل هو كمية الأمل الذي عاش به هوكنغ، تاركاً وراء ظهره العجز والشلل وتنبؤات الأطباء بالوفاة بعد سنتين، ليعيش حتى يومنا هذا، ويصبح أهم عالم رياضيات وفلك، محتلاً مقعد إسحاق نيوتن عن استحقاق. لم يمنعه هذا الصراع مع المرض والعجز، وهو يرى عقله يفكر بشكل جيد، من أن يكرسه للتفكير في العلم أولاً وفي الحياة ثانياً.