بعد مرور أكثر من سنتين ونصف على قرار مقاطعة العمل البرلماني، أخذ الخطاب السياسي للتيارات والأعضاء المشكلين لكتلة الأغلبية البرلمانية المبطلة منحى جديداً مع دعوة أكثر من طرف مستقل وممثل لقوى سياسية في الكتلة إلى قبول فكرة الحوار والمصالحة الوطنية، فما كان محرماً الهمس به أصبح مقبولاً تداوله في الغرف المغلقة، ليخرج بعدها بدعوات صريحة يسوق لها في وسائل الإعلام وبين القواعد.
ويمكن تتبع هذا التحول في الخطاب عبر سلسلة لقاءات إعلامية بدأها عضو «الأغلبية» النائب المبطل د. عادل الدمخي بتأييده مبدأ «الحوار التصحيحي» للوصول إلى المصالحة، وهو رأي أيده زميله في الكتلة النائب السابق عبدالرحمن العنجري بقوله: «الحوار أمر مشروع مع سمو الأمير».إلا أن فكرة الحوار والمصالحة أخذت وزناً سياسياً أكبر مع دخول الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» على طريق الدعم والدعوة إليها، فعضو الحركة النائب المبطل محمد الدلال، وهو أيضاً عضو في «الأغلبية» و«ائتلاف المعارضة»، أعلن «أن فكرة المصالحة تنمو عند المعارضة بكل ألوانها وأشكالها وكثير من الفئات الناشطة»، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك بقوله «خروج عادل الدمخي وعبدالرحمن العنجري وخروجي هو الفكرة لتشجيع الآخرين لوضع رؤية للمصالحة».ولعل الأهم في لقاء الدلال السابق، قوله عن إمكانية المشاركة في الانتخابات وفق نظام الصوت الواحد «كل شيء جائز»، وهو ما لم يكن قابلاً للنقاش فيه سابقاً، بل كان إسقاط القانون شرطاً رئيسياً لأي عودة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية.لم تعترض بقية مكونات «الأغلبية»، وفي مقدمتها الحركة الشعبية الدستورية «حشد»، على خطاب الحوار والمصالحة الجديد، كما جرت العادة، حين كانت تتخذ مواقف متشددة مع أي تسريب إعلامي لمثل هذه الأفكار من داخل معسكر «الأغلبية»، وهو ما يشير إلى أن جدار مقاطعة الانتخابات النيابية بدأ بالتصدع، أو أن هناك توزيع أدوار بين الحمائم والصقور داخل الكتلة للحد من الخسائر بالعودة الى الساحة السياسية.وتقر أغلب مكونات كتلة «الأغلبية» بأن ابتعادها عن العمل البرلماني أضعف أدواتها السياسية، وأبعد عنها أضواء الإعلام، وقلل ثقلها، بعد أن كانت متصدرة للمشهد، ولا تخفي سراً أن التفاعل الشعبي مع خطابها السابق المتشدد ودعواتها إلى التحرك الميداني فقد بريقه وقوته، ما دفعها إلى إعادة النظر في موقفها واستراتيجيتها للتعامل مع الأحداث المحلية، وجعل الحوار والمصالحة خياراً أساسياً بعد أن كان مستبعداً.تركت دعوات الحوار والمصالحة المطروحة من جانب مكونات «الأغلبية» أبواب التساؤلات مفتوحة، إذ إنها لم تحدد الأطراف المراد التحاور معها، ولا الشروط التي تقوم حولها فكرة الحوار، فهناك من دعا إلى حوار مباشر مع سمو أمير البلاد، وآخرون وضعوا إطار الحوار بين القوى والنخب السياسية والسلطة، وهناك من يشترط عودة الوضع السياسي كما كان عليه قبل مرسوم الصوت الواحد.رغم هذه المؤشرات، فان تسويق الحوار والمصالحة، والتباين في الرأي حول اتجاهات هذه الدعوة، يبدوان بالونات اختبار أطلقتها مكونات «الأغلبية» لأكثر من طرف، خصوصاً أن تزامنها مع حملة على مجلس الأمة يزيد المشهد تعقيداً ولا يخلق أجواء للحوار والتفاهم.إلى ذلك، تبرز تساؤلات مهمة ترسم مستقبل دعوة «الأغلبية» وقبولها: هل السلطة «المنتصرة» بحاجة إلى حوار؟ ولماذا يتنازل من يملك خيوط اللعبة تنفيذياً وتشريعياً عن مكاسبه لمصلحة من أخذ قرار الخروج من اللعبة السياسية؟ أم «الأغلبية» مستعدة للتنازل عن مطالبها وشروطها لتحقيق دعوتها؟إجابة تلك التساؤلات قد تضع خارطة طريق ينطلق منها حوار ومصالحة، مثلما أنها قد تضع نهاية مبكرة لدعوة «الأغلبية». لكن الواضح اليوم أن لا بوادر إيجابية تدفع في اتجاه تحقيق اختراق يعدل المشهد السياسي حسب رغبة من يستعجل إسدال الستار على ما شهدته الساحة من أحداث.
آخر الأخبار
تحليل سياسي : دعوات المصالحة... من يتنازل: «المنتصر» أم «الأغلبية»؟
16-11-2014