القدوة الحسنة

نشر في 11-09-2014
آخر تحديث 11-09-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري مربكٌ كثيراً مفهوم "القدوة الحسنة"! هل القدوة الحسنة، حسنةٌ بذاتها، أم حسنة للمقتدي؟! بمعنى، هل أصبح القدوة الحسنة كذلك، لميزة عرف حاملها كيف يستغلها استغلالا أمثلاً ليصبح ما هو عليه، أي قدوة حسنة؟! أم أنه أصبح كذلك لميزة مفقودة في تلك القدوة تحول بينه وبين أن يصبح أنموذجاً، عرف المقتدي تلك الميزة المفقودة وحاول إيجادها في ذاته؟!

باعتقادي أن الأوّل غير جدير بمسمّى قدوة حسنة ولا يستحقه، وأن أقصى ما يستحقه هو التصفيق الحار والتصفير - إن شئت- حال صعوده على منصة التكريم!

الأول غير مشمول باعتقادي في مفهوم القدوة الحسنة، وإنما بمفهوم الاستنساخ، إنه ليس أكثر من مشروع "قص ولزق" إنساني، وغالبا ما انتهت المشاريع التي حاولت ذلك بالفشل!

أما إن جاهدت نفسي لأكون أكون أكثر إنصافاً لذلك الشخص، فهو في أفضل أحواله قدوة ولكنها ليست بالضرورة حسنة! ولا أعتقد أن ضميري سيؤنبني كثراً لو قلت انها "قدوة سيئة".

قدوة تحرضني على مسح ملامحي الشخصية، للاستعاضة عنها بملامح القدوة الشخصية، قدوة تحرّض المرايا على عدم الاعتراف بصورتي واعتماد صورته الشخصية صورةً رسمية عند تقديم أوراقي لارتقاء سلّم النجاح!

قدوة تبهرني فقط بميزتها ولا ترشدني الى الطريق للاستدلال على ما يميزني ليست "قدوة حسنة"، إن "الميزة" التي يتميز بها "القدوة الحسنة" ليست صفة ما، أو موهبة ما، أو مكانة ما، تلك الميزة هي خلاصة خلطة ذاتية بحتة في شخصية القدوة الحسنة وتجربته الحياتية الخاصة، تلك "الميزة" هي عنوان "لكاركتر" أكثر تعقيداً، وما نراه في "القدوة الحسنة" هو خلاصة هذه التجربة وليس خلطتها السرية، لذا أي محاولة لاستنساخ تلك القدوة مصيرها التشوّه... إن نجحَت!

"القدوة الحسنة" ليس الشخص الذي يجعلنا أسيري ميزة فيه، وإنما الشخص الذي يلهمنا لإيجاد ميزة تنقصه موجودة فينا!

إنه الشخص الذي يهدينا إلى موقع الجوهرة النادرة المختبئة فينا تحت أكوام التراب، وليس الشخص الذي يتباهى أمامنا بسحر جوهرته!

القدوة الحسنة ليس الشخص الذي يحثك على أن تصبح مثله، بل الشخص الذي يريك كيف تصبح أحسن منه!

الذي يحثك على أن تصبح مثله، يريد أن يرضي ذاته، الذي يريك الطريق الذي يجعلك أفضل منه، يريدك أن ترضي ذاتك!

وفي إطار فهمي هذا للقدوة الحسنة، قد يكون "القدوة الحسنة" في نظري... شخصاً عاديّا مهملاً على  رصيف الحياة، ومنسيّا في دائرة الظلّ، أو شخصاً مهجورا، هجره من يحب، فهجرته الحياة،

أو شخصاً رأيته عابرا في الحياة، حاملا على ظهره زوادة يئن بحملها، تحتضن تلك الزوّادة بقايا صخور من مآسيه الشخصية.

"القدوة الحسنة" قد يكون "حنا السكران" في صوت فيروز! وقد يكون جارنا القديم "أبو فيحان".

قد يكون أي شخص من هؤلاء أو كلهم مجتمعين شكّلوا لي ملامح "القدوة الحسنة"، وقد يكون شخصاً من خارجهم، شرط أن يكون ممن جعلوني أهتدي إلى أجمل ما فيّ، وألهموني استغلاله استغلالا جيداً.

back to top