أكد د. مراد وهبة أن الأصولية لا تستخدم العقل، فلا يمكن إقرار أي نظرية علمية تناقض النص الديني، وقال: {لاحظت أن في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين بدأت الأصوليات تزحف على جميع الأديان الموجودة على كوكب الأرض، ثم تبلورت أكثر بإعلان كل دين امتلاكه الحقيقة المطلقة، ما أحدث صراعاً بين الأديان المختلفة، بعدما اعتقد كل منها أنه يملك المطلق... وأي مطلق آخر لا بد من أن يقضى عليه. بالتالي، يمكن القول إن الإرهاب أعلى مراحل الأصوليات الدينية، فإذا كنا نريد مقاومته، فلا بد من أن نحلل الأصولية الدينية، ونفهم لماذا يخشى العالم على نفسه إذا ناقشته في المعتقد الديني}.

Ad

تابع: {تصنع الأصولية أزمة في ما يتعلق بتطوير العلم والمجتمع، وتعيق العقل، وتقف ضد الاجتهادات البشرية في ميادين الحياة، لذا لا بد من مواجهة هذه الأصولية الدينية بالعلمانية التي يكون فيها كل شيء نسبياً}.

وأوضح د. مراد وهبة، في ندوة {زمن الأصولية} في معرض القاهرة الدولي للكتاب، أن ما يقال عن فصل الدين عن الدولة كتعريف للعلمانية ليس صحيحاً، إذ لا يمكن فصل السياسة عن أي مجال في الحياة بما في ذلك المعتقد الديني. لافتاً إلى أن للدين ثلاثة معان: الدين بمعنى الإيمان، تحويل الإيمان إلى معتقد ديني يأتي منه التكفير لمن يخالف معتقدك، وفرض معتقد معين على البشر.

أضاف: {لا يمكن تجديد الخطاب الديني في المرحلة الأولى، أي الإيمان، لأنها شخصية. لكن في المرحلة الثانية التي يتحول فيها الإيمان إلى معتقد ديني مطلق، يمنع أي اجتهاد ويتهم المجتهد بأنه ملحد أو بالكفر. من هنا لا بد من أن نسارع إلى تجديد الخطاب الديني، لنحتكم إلى مشروعية إعمال العقل، عندها يكون ثمة تعدد في التأويلات، في هذا السياق تتأتى عظمة ابن رشد الذي قال: {لا تكفير مع التأويل، ولا إجماع مع التأويل}، لكن ابن رشد تم تكفيره ونفيه، فيما وجدت أوروبا في أفكاره ما يخرجها من أفكار العصور الوسطى إلى عصر التنوير}.

تأثير كارثي

هاجم الدكتور أنور مغيث الأصولية وأتهمها بأنها موقف فكري، مؤكداً أن {علينا تحديد موقفنا من الأفكار فقديما قال فيلسوف ألماني: {الإنسان كائن حي تواجهه تحديات لا بد من أن يستجيب لها، وفي الوقت الذي تدفع فيه الحيوانات عملية التحول من أجسادها، يحافظ الإنسان على جسمه بواسطة أفكاره}، ذلك أن الأشياء القديمة لا تستطيع الصمود أمام مستحدثات العصر ومقاومة الأزمنة المختلفة، بما في ذلك اللغة والملابس وطريقة المعيشة، وغير ذلك من أمور حياتية، فضلا عن الأفكار التي يجب تطويرها يوماً بعد آخر، كذلك القوانين التي تحكم الناس وتتحكم في سلوكهم}.

أضاف: {اللغات القديمة انتهت، وتشيّد كل أمة متحفاً تحتفظ فيه بأدوات وملابس قديمة وغير ذلك، والثابت أن اللغات القديمة لم يعد لها وجود الآن}، مؤكداً ضرورة تحكم الأفراد في الأفكار وليس العكس، لا سيما أن للأصولية تأثيراً كارثياً على الناس كونها قرينة الاستبداد وتعيق النظام السياسي والقوانين التي تحكمهم.

تابع: {يخطئ من يعتقد أن الإسلام زودنا بنظام سياسي محدد، فما كان يحدث في الماضي له قوانينه التي لا تصلح الآن، والأمر نفسه ينطبق على ما نمارسه الآن. من يدري، ربما بعد 200 عام لا  يعود الناس يؤمنون بالديمقراطية ويجدون طريقة أفضل للحكم، وإذا نظرنا إلى القوانين التي كانت تحكم الناس منذ ألفي سنة سنرى أنها تغيرت، هنا تكمن أهمية القانون الوضعي الذي يجب احترامه}.

 ختم كلامه قائلا: {لا بد من التجديد لتستمر الحياة، فالبشر يجددون في نظامهم السياسي، سواء بالنضال أو الرضا، لأن النظام السياسي يمكن تطويعه لمصلحة البشر... بينما المستفيدون هم المستبدون ويهمهم بقاء الأصولية... القانون الوضعي يمكن إلغاؤه وتعطيله، ولكن حين يكون سماوياً أو مقدساً فلا نستطيع الاقتراب منه... يجب أن نتخلص من هذه الأسطورة حتى يسيطر الناس على قوانينهم التي تنظم حياتهم، وتحافظ على ممتلكاتهم، وتحمي جهدهم وعملهم، وتضمن لهم حياة كريمة آمنة، وإلا لماذا ننتخب أفراداً في البرلمان إذا لم نكن نريد تغيير القوانين}.

ظواهر غريبة

أكد حلمي النمنم أننا نعيش زمن الأصولية، سواء الدينية أو السياسية أو تيارات المحافظين الجدد في أميركا وغيرها، أو الأصولية الراديكالية في المنطقة العربية، موضحاً {أن التشدد والأصولية لا يمثلان المجتمع المصري، وهما ظاهرتان غريبتان ودخيلتان عليه}.

أضاف: {الثقافة المصرية قائمة على التعددية واحترام الآخر، وهو ما ظهر في الأزمان المختلفة للمصريين والتاريخ يشهد بذلك، فقد احترم الفراعنة الآخر المختلف، وظهر ذلك في معابدهم التي أرست هذه المبادئ}.

تابع: {أما في العصر الحديث، فحمل محمد عبد الوهاب أفكار ابن تيمية التي نشأت في بلاد عربية كان لها ظرف خاص وقبل أن تكون فيها حكومات. ثم احيا رشيد رضا وحسن البنا تلك الأفكار في مصر، فتلقت المخابرات البريطانية الأخير ليظهر هذا التنظيم الذي عرف بالإخوان المسلمين، ثم انتقل من أيدي المخابرات البريطانية إلى المخابرات الأميركية}.

ختم كلامه: {الأصولية، سواء باسم الدين أو السياسة، تظل هي الأصولية، وتعني الفكرة التي تعتقد بأنها تملك الحقيقة المطلقة، وغيرها يجب أن يباد ويدمر، وهذا ما حدث في أفغانستان من جماعات متشددة لا تؤمن إلا بأفكارها القديمة، وتسحق من يخالفها بقسوة، ويراد أن يحدث ذلك في ليبيا ومصر وغيرها من الدول العربية، لذا هي ضد الثقافة والحضارة والإنسانية، ونزعة تحجر الإنسانية والحضارة. ومهما حققت الأصولية من نجاح، على المدى القريب، فليس لها مستقبل، خصوصاً في مصر} .