أتذكر تماماً الأجواء المتفائلة والوردية التي كانت تروجها الحكومة نهاية عام 2010، وقبيل إقرار خطة التنمية ذات الــ37 مليار دينار، ودعوة وزير المالية حينذاك السيد مصطفى الشمالي الناس إلى الاستثمار في بورصة الكويت التي ستنتعش قطعاً بسبب ضخ تلك الميزانية الخرافية في مفاصل وقلب الاقتصاد الكويتي، المتمثل في القطاع الخاص عبر المشاريع التنموية الكبرى.

Ad

أغلبية الكويتيين صدقوا الحكومة الرشيدة واندفعوا نحو البورصة بمدخراتهم في انتظار أن يروا ما وعدت به الدولة من انتعاش اقتصادي، ومرت السنون وتوالت ترسية المناقصات والعقود المليارية دون أن تستفيد شركة مدرجة واحدة في البورصة من أي مشروع حكومي كبير. وعلى العكس تماماً توالت انهيارات البورصة وتقلباتها الحادة وتبخرت معها مدخرات الكويتيين دون أن يتأثر الاقتصاد الكويتي إيجاباً بشيء من الـ37 ملياراً التي صرفت وتبخرت دون طائل أو أثر على أحوال المواطنين فيما عدا قلة قليلة منهم!

قطعاً إن لكل سلوك اقتصادي وانعكاسه على إقليمه الجغرافي تفسيراً، فلو ضخ مبلغ ضخم مثل الذي أنفقته الحكومة الكويتية في أي بلد، ظروفه الاقتصادية محكمة وتشريعاته في ما يخص محاربة الفساد وسوء استخدام السلطة فاعلة، لكان له تأثير كبير على السوق في ذلك البلد وأوضاعه، لكن في الكويت اختفى ذلك المبلغ الضخم كنقطة في بحر، فأين ذهب إذا لم يكن له أثر في البورصة، ولا في مجالات الاستثمارات المعتادة بخلاف مضاربات في العقار أدت إلى تضخم مبالغ في أسعاره.

التفسير المنطقي لذلك أن نصيب الأسد من تلك الأموال فقد في دورة الفساد المتمثلة في العمولات والرشاوى والمناقصات "المضروبة" التي غالباً ما يسعى المتورطون فيها إلى تهريب أموالهم إلى خارج أوطانهم، حتى لا يكونوا تحت طائلة المساءلة واسترداد تلك الأموال، وهو سلوك مشترك لكل الفاسدين حول العالم الذين غالباً لا يضخون أموالهم داخل أوطانهم إلا بأقل قدر ممكن، بالإضافة إلى أن الكويت تعاني منذ التحرير حالة نهم الكبار لتسكين ثرواتهم خارج الكويت دون أي إجراء حكومي للحد من تلك الحالة.

في نهاية الأمر، وكالمعتاد، خسر المتقاعدون وأصحاب الدخل المتوسط مدخراتهم مرة أخرى، وأكلتها طاحونة الفاسدين وأصحاب النفوذ، كما حدث في أزمة المناخ وما بعدها من أزمات وتلاعب في السوق، وها هي البورصة تنهار مرة أخرى وتشفط معها فلوس الكويتيين!

***

وصف وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله حالة الاقتصاد الكويتي بعد انخفاض أسعار النفط بأن "السكين وصلت العظم"، وهو تعبير مبالغ فيه إذا علمنا أن سعر المعادلة لميزانية الكويت هو 52 دولاراً لبرميل النفط، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. المهم أن الحكومة عندما تصل السكين إلى العظم فإن أول ما تحك عظمه بالسكين هو المواطن المسكين فتلجأ الى رفع أسعار المنتجات النفطية ورفع أسعار الخدمات، وهي الفكرة السائدة منذ أكثر من 30 عاماً عندما تم رفع أسعار البنزين في عام 1982، بينما لا تفكر في "عظم" المقتدر المحمي بطبقات من الدهن والشحم عن طريق فرض رسوم على المبالغ الضخمة التي تخرج من البلد والأموال المهدرة في المشاريع المليارية وفرض الضرائب على المقتدرين.

***

الملياردير المصري حسين سالم، الهارب في أوروبا، عرض على نيابة الأموال العامة المصرية دفع 22 مليار جنيه حتى تتوقف عن مطاردته هو وأقاربه، ولكن عرضه رفض، ورغم قوة ونفوذ سالم طوال الأربعين عاماً الماضية، وقدرته على إخفاء كل الوثائق التي تدينه داخل مصر فإن عدة دول تجاوبت مع المحاكم المصرية وقدمت تقارير عن أمواله المهربة وتعاقداته مع شركائه الأجانب... إنه عبرة لمن يريد أن يعتبر ويظن أنه سيظل إلى الأبد سيد المكان والقرار!