السورية لينا هويان الحسن: بيروت كَرُمت عليّ بضوء بخلت به دمشق

نشر في 24-02-2015 | 00:01
آخر تحديث 24-02-2015 | 00:01
• بعد ترشّح روايتها {ألماس ونساء} لجائزة الـ{بوكر} العربية
وصلت رواية «ألماس ونساء» للكاتبة السورية لينا هويان الحسن إلى قائمة الـ{بوكر» القصيرة. الروائية ابنة البادية تعرض حياة أفراد الطبقة البورجوازية السورية في الغربة، متناولةً بإسهاب عادات وتقاليد حملوها معهم من وطنهم، ومضيئة على إنجازات نساء دمشقيات انطلقن في رحلة قدرية صوب الأرجنتين أو باريس.

شغف التاريخ قلب الحسن، ففتَّشت في وثائقه عن المستور والمطوي وكتبت عن المجتمع الدمشقي «الحضري»، وكانت سابقاً كتبت في «البدوي» في «بنات النعش» و{سلطانات الرمل» و{رجال وقبائل». وكان معها الحوار التالي:

كامرأة وكروائية، ما الذي يضيفه إليك وصولك إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية؟

يضيف إلى مشروعي الأدبي التقدير لجهدي الطويل الذي راكمته ابتداء من عام 1998 مع روايتي الأولى «معشوقة الشمس»، والأمل بالترجمة، فالانتشار الحقيقي لا يكون إلا عبر الترجمات.

ربما تتاح ترجمة روايتك بعد البوكر، ما رأيك بالانتقادات التي توجه إلى طريقة ترجمة العربية إلى اللغات الأجنبية؟

لست ضليعة في هذا الموضوع كي أقول رأياً موضوعياً، لكن ذلك لا يغير من اهتمامي بموضوع الترجمة عموماً وإيجابياته.

لماذا التركيز على قضايا المرأة في روايتك؟

لستُ من هواة الشعارات، والقضايا والخ، لكن وضع المرأة العربية أولوية حقيقية في مشروعي الأدبي. إن لم أكتب كل ما يصبّ في صالح الإضاءة على وضعها في العالم العربي المتمسك بأغلال التقاليد، فلا معنى لكل ما أكتبه.

نسائي كلهن قويات، ونرجسيات، ومتمردات، يعشن التحرر بكل ما يمكن أن تملكه المرأة، من مكر وذكاء وكبرياء. وفي روايتي «بنات نعش» مثلاً، رغم أنوثة العنوان فإنها تروي حياة صياد الوحوش على ضفاف الفرات في مطلع القرن العشرين، وهو شخصية ذكورية بامتياز، والانحياز كان واضحاً منذ سطور الرواية الأولى.

هذا عن النساء. كيف تنظرين إلى الألماس؟

أحب قصة تكوّنه، فبريقه الرائع سببه تاريخ سحيق من العتمة الحالكة، لكنه صديق وهمي للنساء تماماً كما المجوهرات النفيسة كافة التي تلهث المرأة لاقتنائها ظنّاً منها أنها بذلك تؤمن مستقبلها. لا يتحقق الأمان خارج ذواتنا، علينا أن نملك قلباً ألماسي التكوّن، يقبل الصقل ولكن يرفض أن يُجرح.

ما الذي تمثله الذاكرة بالنسبة إليك من خلال السرد؟

كل شيء تقريباً. الأدب هو شكل من أشكال الذاكرة، والذاكرة عماد السرد.

تستحضرين ماضي دمشق في كتاباتك، هل تفعلين ذلك خوفاً من حاضرها، خصوصاً أنك كتبت الرواية فيما تشهد سورية أحداثاً أليمة؟

لا أكتب شيئاً بسبب الخوف. الحزن، والولع، والفضول، أسبابي المفضلة للكتابة. تفرض دمشق حضورها على أوراقي، بماضيها وحاضرها ومستقبلها، وقد كتبت جزءاً من تاريخها، التاريخ الذي يصرّ البعض على تجاهله.

كيف ترين سورية اليوم وحال السوريين، ماذا تقولين لهم، أو ربما ماذا يقولون لكِ؟

أراها الرماد الذي يحتاج إليه طائر الفينيق لينهض. لا أقول لهم شيئاً لأني كتبتُ لهم، مثلاً رواية «ألماس ونساء» تحكي حالهم. ماذا يقولون لي؟ يهمني أن يطالعوا كتاباتي.

برأيك هل ستنعكس الأحداث في سورية على الروايات المقبلة، وهل سينشأ ما يسمى «جيل بعد الحرب» في الرواية؟

من الصعب التكهن بأي أمر، لكن المحن هي التي تصنع الأدباء. الأدب عموماً يقتات على الحرب مثلما يقتات على السلم.

في نصك الروائي شاعرية لافتة، كأنك تكتبين بقلم لينا الشاعرة... هل تعتقدين أن المرأة الكاتبة لا تحقق ذاتها إلا بالرواية؟

شخصياً، أنا هكذا لأن الرواية تتيح لي أن أمرر الشعر في نسيجها. حتى القصة القصيرة يمكنها أن تكون ضمن بنية الرواية السردية العامة.

حظيت «ألماس ونساء» بالترشح للبوكر، ولكن بالنسبة إليك أي رواية من رواياتك تختارين للفوز بجائزة؟

لا معنى للتمني إزاء الأمر الواقع.

ماذا تقرئين؟

أقرأ كتب التاريخ والفلسفة بالدرجة الأولى، وطبعاً الأدب بأجناسه كافة، وأميل إلى قراءة الأدب العالمي المترجم.

هل تتعبك الكتابة، هل هي فعلاً كما يصفها البعض كجلد الذات؟

الكتابة متعتي الخالصة. التعب في القراءة. يحتاج معظم رواياتي إلى جهد بحثي كبير قبل المباشرة بالكتابة. خلال مدة الكتابة أختلي بنفسي. أتخلى تقريباً عن الحياة الاجتماعية، وأضطر غالباً إلى تبرير غيابي بأكاذيب، أن أدعي المرض مثلاً، فلا أحد يتفهم حاجتي إلى الوحدة، إلى الصمت. يكفي أن أستقبل مكالمة هاتفية واحدة صباحية حتى تتلف مزاجي للكتابة. البشر هم المتعِبون وليست الكتابة. الكتابة فرحي الحقيقي.

المرأة الكاتبة، هل تغيَّرت النظرة إليها إلى الأفضل؟

نعم، عموماً. ولكنها دائماً محاطة بعلامات الاستفهام، محل لشتى الظنون والشكوك والإشاعات. تشجع مجتمعاتنا المرأة على اتقان فن الطبخ وليس فن الكتابة.

تذكرين في روايتك {سلطانات الرمل}: {كوني جميلة ولا تصمتي}. لماذا عزمت على البوح، ما كان المحفز؟

لأشكِّل مساحاتي الخاصة. الأدب حرية، لا يمكن لأحد أن يحاسبك على المتخيل، رغم أني لا أزعم أن كل ما كتبته «محض» متخيل، إذ اختلست كثيراً من الحكايا حولي لأنسجها على طريقتي.

لماذا وافقت على تحويل «سلطانات الرمل» إلى عمل تلفزيوني؟

للسبب المادي أولاً. دور النشر لا تعطينا حقوقنا، وثانياً لأجل الانتشار، لا سيما أن شعوبنا مغرمة بالتلفزيون وتكره الكتب.

نشأت في مجتمع بدوي وكان له حصة كبيرة في كتاباتك. أخبرينا كيف أثَّرت الصحراء في تشكّلك الأدبي، ولمَ لن تغادريها، كما صرحت سابقاً؟

عندما أردت التنزه في إحدى صور طفولتي، كتبت روايتي الأولى التي كانت عن البدو. قبل روايتي {نازك خانم}، كنت أحسب أني لن أغادر صحرائي، لكني من هواة التغيير، أعتنق منطق التغيير وأحياناً أتنصل من شيء قلته سابقاً، لخاطر شيء أنوي أن أقوله أو أكتبه... ها أنا غادرت، وكتبت روايتين عن دمشق، ولأن الأدب حرية، فإني أمارس حريتي باختياري مواضيعي. ربما أعود مجدداً إلى الصحراء في عمل مقبل، أو أكتب عن عالم مختلف تماماً.

اليوم، كيف ينظر المجتمع البدوي إليكِ؟

بتوجس وحذر، سبق وأن أفشيت أهم ما يعتبرونه أـسرارهم. البدوي خليط تناقضات أخلاقية، مخلص وخائن، شريف ومختلس، واضح وماكر... وسأعاملهم دائماً بالمثل، سأغدرهم دائماً وأكتب قصصهم.

تقيمين في بيروت، ما الذي تعنيه هذه المدينة لك؟

المدينة التي كَرُمت عليّ بالضوء، الذي بخلت به دمشق ذات يوم. سأظل مدينة لبيروت ما حييت.

back to top