ضجت الكويت في الأسابيع الماضية بأنباء قضية التكسب غير المشروع أو الاختلاسات التي وقعت في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، والمتهم فيها السيد فهد الرجعان، وفقاً لقرارات النيابة العامة وحكم القضاء السويسري، والتي على أثرها أصدرت الحكومة ومجلس الأمة عدة توصيات ذات طابع هلامي لا يضيف شيئاً للجهد الأساسي والجدي الذي تقوم به جهة الادعاء في النيابة العامة تجاه هذه القضية ذات البعد الشعبي.

Ad

تحرك الحكومة ومجلس الأمة تجاه القضية طبيعته أقرب إلى رفع العتب أمام الرأي العام، لأن قضية تجاوز على المال العام بهذا الحجم، وفي مؤسسة شديدة الالتصاق بحقوق المواطنين ومدخراتهم وتأمين مستقبلهم، كان يجب معالجتها بجدية أكبر وأعمق، فما حصل يشير إلى أن هناك ثغرات كبيرة في النظام الرقابي والمحاسبي في جهات مهمة في البلد تتولى إدارة واستثمار أصول بالمليارات من الدنانير لا يجوز أن تترك دون كشفها وسدها بتشريعات عاجلة.

فهناك أموال عامة طائلة تستثمر محلياً وخارجياً في الهيئة العامة للاستثمار وهيئة القصر والأمانة العامة للأوقاف ومؤسسة البترول... إلخ، ورغم ثقتنا بأغلبية قياداتنا من أبناء الكويت فهناك القلة من الفاسدين الذين يجب أن نحصن المال العام منهم، فقد أثبتت أنظمتنا الرقابية عجزها في قضية "التأمينات"، ولولا جهود السيد فهد الراشد، ووفقاً للنظام القضائي السويسري وفاعليته، لما كان من الممكن كشف القضية في الكويت وملاحقة المسؤول عنها، الذي تمكن من الفرار من البلد، خاصة أن وزير النفط وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة د. علي العمير في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة رفض تزويد لجنة التحقيق في الإيداعات بالحيازات العقارية للنواب، بحجة أنها مخالفة للدستور، لأنها تدخل ضمن الذمة المالية للأفراد، رغم أن النواب وأصحاب المراكز القيادية ليسوا أفراداً اعتياديين.

بالتأكيد قضية التأمينات الاجتماعية تستدعي قرارات جدية لا قرارات "رفع العتب" التي اتخذت، وأهم المطلوب تشكيل لجان مشتركة حكومية وبرلمانية لفحص موجودات وأصول واستثمارات مؤسسة التأمينات الاجتماعية منذ بداية تولي القيادي المتهم لمنصبه فيها، حتى لو استدعى ذلك الاستعانة بمكاتب محلية وعالمية، يتم على ضوء نتائجها حصر جميع الأموال المفقودة والمتلاعب بها، حتى تعد المؤسسة بلاغاً شاملاً إلى النيابة العامة بشأنها، وكذلك شروع مجلس الأمة والحكومة على الفور في دراسة التشريعات الرقابية الخاصة بكل جهة حكومية تدير استثمارات وأصولاً وطنية لإحكام الرقابة عليها.

****

من باب الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، فإنه يجب الإشادة بإقرار مجلس الأمة مؤخراً تعديلاً على قانون الخدمة المدنية، يمكن ديوان المحاسبة من تفعيل المحاكمات التأديبية لمن يخالف القوانين واللوائح الخاصة بالأمور المالية أو الإدارية التي يترتب عليها هدر أو تفريط للمال العام، وهو أمر سيجعل لـ"المحاسبة" أنياباً حتى لا تتكرر المخالفات في الجهات الحكومية، لكن أيضا نتمنى ألا يتشدد أو يتعسف الديوان في استخدام هذه الصلاحية فيحجم المسؤولين عن اتخاذ القرارات المهمة وبالسرعة المطلوبة لتسيير أمور البلد، خاصة في ظل مشاكل الدورة المستندية والمصاعب الإدارية التي تعطل كل مشاريع الدولة الحيوية.