لقد امتدت المفاوضات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني بشكل أو بآخر لأكثر من عقد، وعليه فإنه من غير المفاجئ أن الموعد النهائي للاتفاق النهائي قد تم تمديده مرة أخرى، وأن إيران ومحاوريها- الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا 5+1– لديهم الآن فرصة حتى نهاية يونيو للتوصل إلى اتفاق.
هذا التطور محبط وسيكون من السهل القول إن العملية تبدو محكومة بالفشل، ولكن هناك سبب للأمل، ففي جولة المفاوضات الحالية بدا وكأن اللاعبين الرئيسيين وهما إيران والولايات المتحدة الأميركية على استعداد– إن لم يكن بحاجة ماسة- لإنجاح تلك المحادثات.فالرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما سوف يستفيدان من الاتفاق، فقد بدأت العقوبات المفروضة على إيران بالتأثير بشكل كبير على الاقتصاد، وتسوية النزاع شرط مسبق لأي جهود من البلدين للتعاون من أجل التوصل إلى اتفاق سلام في سورية أو التعامل مع التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية.لقد خرجت إيران لتوها من صراع سياسي داخلي استمر لثلاث سنوات، حيث يتواجه العسكر والملالي المتشددون والذين يؤمنون أن على إيران أن تنتج الأسلحة النووية مع غالبية مجتمع رجال الأعمال والملالي الإصلاحيين بقيادة روحاني والرئيس السابق محمد خاتمي، والذين يؤمنون أنه لا يتوجب على إيران إنتاج الأسلحة النووية. لقد كانت النتيجة غير مؤكدة حتى قام القائد الأعلى آية الله علي خامئني بإعادة التأكيد على الفتوى بمنع الأسلحة النووية، وطيلة فترة بقاء هذه المسألة بدون حسم لم يكن باستطاعة الوفد الإيراني للمحادثات الاتفاق على النتيجة المطلوبة، فكان ذلك واضحا في الحالات التي تم فيها منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حرية الوصول إلى المواقع المشتبه فيها خلال المفاوضات فقط ليقوم القادة المحليون بمنع مفتشي الوكالة من دخول تلك المواقع عند وصولهم. (للحقيقة إن الوفد الأميركي كان يبدو متناقضا في بعض الأحيان، فعادة ما كان يضم مسؤولين معادين بشده لإيران إلى جانب دبلوماسيين منضبطين يسعون إلى اتفاق بناء على طلب أوباما).وهناك سبب أساسي آخر يدعونا للتفاول، فالشرق الأوسط يمر بمرحلة تحول جذري تتمثل بالصحوة الشيعية، وكما هي الحال في الحركة البطيئة والواثقة للصفائح الأرضية فإن التحول العميق والعريض والكامن يتجلى في ثورات محلية مدمرة.عندما نجحت حرب أميركا المضللة للإطاحة بصدام حسين سنة 2003 فإن تلك الحرب أخلت بالتوازن الدقيق، فصدام كان فاسدا وقاسيا لكن نظامه كان بشكل عام علمانيا، لم يقم صدام الذي كان يركز جهوده على المحافظة على السلطة باقتناء أسلحة الدمار الشامل، لقد كان صدام الذي تعلم درسه من حرب العراق الوحشية والمكلفة مع إيران في الثمانينيات حذرا في عدم الإخلال بالتوازن الجيوسياسي للمنطقة.وتعرض العالم الإسلامي للتمزق لأكثر من ألف سنة بسبب الصراع السني–الشيعي حتى تاريخ الغزو الذي قادته أميركا كانت إيران إلى جانب النظام العلوي في سورية الدولة الوحيدة التي هيمن الشيعة فيها على الدولة، فنحو 70% من سكان العالم العربي هم من السنّة والشيعة هم الأقلية في كل الدول العربية، باستثناء العراق والبحرين، فسقوط صدام سمح للأغلبية الشيعية في العراق بتولي مقاليد السلطة من خلال الانتخابات، لكن ذلك أشعل فتيل حرب أهلية واضطرابات إقليمية (بما في ذلك الاحتجاجات الشيعية المستمرة في البحرين).كما أن الوضع في سورية هو صورة طبق الأصل تقريبا، فالبلاد عبارة عن فسيفساء من الدروز والأكراد والمسيحيين والقليل من اليهود والعديد من الشيعة وأغلبية سنية، ومثل صدام فإن الرئيس بشار الأسد يترأس نظاماً علمانياً يحكم من خلال القمع الوحشي، وإن الإصرار في الغرب على الإطاحة به باسم حقوق الإنسان والديمقراطيه اعتبرته الغالبية السنية على أنه فرصة للإطاحة بالذي يقمعهم.لسوء الحظ فإن السنّة المعتدلين في سورية يتعرضون للهجوم من جهتين: حكومة الأسد والمتطرفين من أتباع الوهابية وهي أقل المدارس الفكرية الإسلامية تسامحا، والنتيجة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الذي يحمل معه التهديد بإبادة الأقليات بالبلاد بمن في ذلك المسيحيون والدروز.والاضطرابات في هذين البلدين الجارين قد أعادت تشكيل الشؤون الجيوسياسية الإقليمية، وإلى جانب إيران فإن روسيا التي تسعى إلى تقويض النفوذ الأميركي والبريطاني في الشرق الأوسط تدعم الصحوة الشيعية، في حين لم تستطع تركيا التي يهيمن عليها السنّة والقوة العسكرية الأقوى في المنطقة وعضو الناتو إخفاء تعاطفها مع تنظيم الدولة الإسلامية، فعلى سبيل المثال قامت الحكومة التركية مؤخرا بمنع الأكراد في تركيا من مناصرة أقربائهم من العرقية نفسها في العراق وسورية، والذين يستهدف تنظيم الدولة الإسلامية إبادتهم.ونظام الأسد الوحشي وإيران قد أصبحا لاعبين رئيسيين في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وعليه فإن رفع العوائق أمام المحادثات النووية بين "5+1" من جهة، وإيران من جهة أخرى يعتبر أمراً حيويا، فإزالة الجمود عن الوضع القائم الإقليمي تعني أن الاتفاق النهائي قد يؤدي إلى تغيير التحالفات مع عواقب بعيدة المدى، وربما أن السبب الأكثر إقناعا للأمل بأن المفاوضين سوف يتحركون بسرعة للتوصل لاتفاق هو خوف حكوماتهم من البدائل.* ميشيل روكار | Michel Rocard ، رئيس وزراء فرنسي سابق وزعيم سابق للحزب الاشتراكي الفرنسي.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
إيران في الوسط
16-12-2014