«الفهلوة» كما يراها د. سيد عويس، عميد علماء الاجتماع في الوطن العربي (1903- 1988)، «آفة أو فيروس اجتماعي تُجهض إرادة التطوير والتحديث، فضلاً عن كونها إحدى أهم عناصر التدهور الثقافي، والانهيار الحضاري والأخلاقي في المجتمعات». أما «أهل الفهلوة» في تعريف العالم المصري الكبير، فهم «العالمون ببواطن الأمور ممن يبحثون باستمرار عن أقصر الطرق وأسرعها لتحقيق الأهداف والمكاسب الدنيوية والأخروية على السواء، ويتجنبون دائماً طرق العناء والجد ويكون همهم ليس إنجاز العمل على أكمل وجه وإنما إنجازه بأي شكل».

Ad

أول مظاهر «الفهلوة» في فيلم «كابتن مصر» أن كاتبه عمر طاهر تعمد خلط الأوراق، والحقائق، عندما ماطل في الكشف عن المصدر الأجنبي، الذي نقل عنه فكرة الفيلم، واكتفى بلوحة تقول: «هذا الفيلم مستوحى من أفلام كتير»، ورغم أن اللوحة أشارت صراحة إلى فيلمي The Longest Yard وMean Machine، فإنه تعمد الزج بعناوين أفلام أخرى مثل: {تيتانيك}، {عمارة يعقوبيان}،{لحظات أنوثة}، {الشياطين والكورة} و{4-2-4} بهدف التشويش ليس أكثر!

 ثاني أمر يستحق التوقف أن طاهر يصدمك بموافقته على أن يتصدر اسمه مواد الدعاية للفيلم بوصفه {المؤلف} في حين يُدرك، ومعه المخرج معتز التوني والشركة المنتجة، أنه اقتبس فكرة وأحداث الفيلم البريطاني Mean Machine 2001 إخراج باري سكولنيك، الذي يبدأ بالقبض على {داني مين ماشين}، فيني جونز، (ماكينة خط الوسط) وقائد منتخب إنكلترا السابق، والزج به في السجن لمدة ثلاث سنوات، تنفيذاً لحكم محكمة جنايات لندن، لأنه ضُبط مخموراً، ولأنه هاجم ضابطي شرطة أثناء القبض عليه. وفي السجن يؤسس فريقاً يضم إليه المساجين، ويهزم فريق السجانين (الحراس)!

في المقابل، يبدأ «كابتن مصر» بلاعب الكرة المغمور كمال نجيب وشهرته «كونجو»، محمد إمام، الذي قفز إلى قمة الشهرة، عقب نجاحه في تسجيل هدف في نادي الأهلي العريق، وقيام حسن شحاتة المدير الفني للمنتخب الوطني بضمه إلى المنتخب. وفي اللحظة التي يظن فيها أن الدنيا ضحكت له يصدم أمين شرطة بسيارته الجديدة فيصيبه بعاهة مستديمة، ويُحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، كالبطل الإنكليزي بالضبط!

على عكس الفيلم البريطاني، الذي يستغل فيه الحاكم، مُدمن المراهنات، وجود القائد السابق للمنتخب الإنكليزي في السجن، ويجبره على تكوين فريق من المساجين يلاعب حراس السجن، ويراهن عليه كي يتربح من ورائه، يفاجئنا طاهر بأن «كونجو» هو الذي يقترح على مأمور السجن، حسن حسني، تكوين الفريق، وكأنه في إعارة أو زائر مرموق، ويتدخل وزير الداخلية، ياسر علي ماهر، ويأمر بتنظيم مباراة بين منتخبي سجون مصر وألمانيا تنتهي بفوز الفريق المصري بعد مزايدة وطنية فجة!

  غابت المصداقية عن «كابتن مصرط، بعدما ضاعت الدوافع، وسقطت المبررات؛ ففي الفيلم البريطاني كان الدافع قوياً لدى البطل للتخلص من ماضيه الأسود كنجم احترف التلاعب بنتائج المباريات، وأقوى لدى السجناء، الذين تملكهم طموح الفوز على الحراس للثأر منهم جراء القهر والتنكيل والعنصرية التي تُمارس ضدهم في سجن شديد الحراسة، وتكبيد الحاكم خسارة فادحة في الرهان، بينما بدا رفاق «كونجو» وكأنهم في نزهة، بدليل أنهم خرجوا من السجن إلى أحد المنتجعات السياحية في الغردقة ليقيموا معسكرهم هناك، في مهزلة لا تعكس الجهل بالقوانين الصارمة التي تحكم السجون فحسب، وإنما تُشير إلى فقر خيال المؤلف، وضعف إمكانات المخرج، وعجزهما الواضح عن صنع فيلم تدور أحداثه بالكامل داخل السجن، وهو الضعف الذي تكرر في نسج مواقف وعلاقات كثيرة، والمحاكاة الممسوخة لشخصية «مونك»، الذي قتل في الفيلم البريطاني 23 شخصاً بيد خاوية، ولقب بالراهب الأسطوري لأسباب روحانية، بينما قتل نظيره «تايسون»، خالد سرحان، 12 شخصاً من بينهم 8 في السجن وكأنه سفاح متعطش لسفك الدماء!

 نجح طاهر في رسم الخلفيات التي قادت الشخصيات إلى السجن جراء قضايا اجتماعية مختلفة؛ كالثأر (أحمد فتحي)، الخيانة (إدوارد)، تعدد الزيجات (بيومي فؤاد)، القتل الخطأ (محمد سلام)، البلاهة (علي ربيع) والظلم الاجتماعي (مؤمن نور الذي صرخ «الله أكبر» عقب إبلاغه بأن زوجته أنجبت طفلاً فظنوه إرهابياً واعتقلوه !)، كما حالفه التوفيق في رصد «أحلامهم الفقيرة»، ولولا الباقة الجميلة من الممثلين الواعدين: علي ربيع، أحمد فتحي، محمد سلام وبيومي فؤاد لوجدنا أنفسنا أمام فيلم سطحي يزخر بالمواقف غير المنطقية (محمد إمام يُطارد الهاربين من معسكر الفريق بدراجة بخارية ليُعيدهم إلى السجن). وبينما حلقت بنا الدعاية إلى آفاق رحبة من الخيال، ووعدتنا بكوميديا رائعة، وجدنا أنفسنا حيال فيلم كسيح لا يخلو من سذاجة!