لا شك أن انتخابات منتصف الولاية شكلت صفعة لباراك أوباما، ولا ننكر أن هذه الانتخابات قلما تشكل تجربة ممتعة لأي رئيس، وسبق أن خسر أوباما الأكثرية في مجلس النواب عام 2010، كذلك حرص الرئيس على أن يحد من التوقعات، مشيراً حسبما يُقال إلى أن حزبه يدافع عن المجموعة الصعبة من المقاعد منذ عهد أيزنهاور، لكن اقتراع يوم الثلاثاء شكل صدمة بالنسبة إلى رئيس علّق الكثير، منذ انتخابه عام 2008، على رسالة الأمل والتغيير في بلده وسائر العالم.
تحطم الديمقراطيون، فقد خرجوا من الانتخابات أكثر ضعفاً في مجلس النواب، فضلاً عن خسارتهم سبعة مقاعد إضافية في مجلس الشيوخ، مما منح الجمهوريين أكثرية كبيرة تبلغ 52 مقابل 48 على أقل تقدير، وهكذا سيواجه أوباما خلال سنتيه الأخيرتين في سدة الرئاسة "كونغرس" ذا غالبية جمهورية ساحقة، وما زاد الوضع سوءاً واقع أن هذه الحملة تمثل غالباً استفتاء على أوباما بحد ذاته، فركز الجمهوريون حملتهم على إعادة إشعال الاعتداءات على شخصيته وأسلوبه لا سياساته فحسب، ومن المؤكد أن أوباما محق في شعوره بالاستياء، وبالنظر إلى المسألة التي يجب أن تهم الناخبين (الاقتصاد)، نرى أن فرص أوباما تبدو أفضل بكثير، فقد تراجعت البطالة إلى ما دون الـ6%. كذلك عاود الناتج المحلي الإجمالي نموه ليصل إلى نسبة سنوية تبلغ 3.5% بين شهرَي يوليو وسبتمبر، ويستطيع أوباما أيضاً أن يدعي أنه نجح، بمساعدة ثورة غاز الأردواز، في إخراج البلد من الركود، لكن الناخبين رفضوا على ما يبدو أن يمنحوه التقدير على عمله هذا، بالإضافة إلى ذلك، تعكس نسبة الإقبال على الاقتراع المتدنية التي بلغت 40% غياب المشاركة الفاعلة للنساء والمتحدرين من أصول لاتينية، الذين شكلوا ركيزة النجاح في إعادة انتخاب أوباما عام 2012، ولا شك أن هيلاري كلينتون ستتأمل هذه التطورات جيداً لتستمد العبر في سعيها إلى الفوز بسدة الرئاسة عام 2016.ولكن ماذا على رئيس سيعاني الكثير من القيود والعقبات خلال السنتين المتبقيتين أن يفعل؟ سيعد بالتوصل إلى شراكة بين الحزبين وتعزيزها بهدف الترويج للمسائل التي تلتقي فيها مصلحة الحزبين بين الجمهوريين، حيث يشدد زعيم مجلس الشيوخ الجديد على أنه سيكون متجاوباً، مع أن السجلات تثير الكثير من الشكوك حيال ذلك، ورغم ذلك، تشكل اتفاقات التجارة الحرة أحد المجالات التي تبدو فيها فرص التعاون الحقيقي عالية، فضلاً عن أنها تشكل ناحية سترغب أوروبا في تتبعها عن كثب. كذلك قد ينجح إصلاح قانون الهجرة في جمع التفكيرين معاً، علماً أن انقسام السياسات الأميركية يجعل من ذلك أملاً أكثر منه واقعاً أكيداً. إذن، سيُضطر الجمهوريون عموماً إلى أن يقرروا ما إذا كانوا سيبدّون الإنجازات الملموسة على التخريب والعناد الدائمين.قد يلجأ الرئيس أيضاً إلى حق النقض الذي يتمتع به أو إلى أداة قوية أخرى من أدوات السلطة الرئاسية، الأوامر التنفيذية، إلا أن هاتين الأداتين لا تحققان إنجازات كبيرة، فضلاً عن أنهما قد تعززان الانشقاق، لكن إنقاذ برنامج الرعاية الصحية الذي أعده أوباما يتطلب أكثر من مجرد صراع مع الجمهوريين، ففي هذا المشهد السياسي الأميركي الجديد، سيحتاج الرئيس الأميركي إلى مهاراته في التعاطي مع الناس، خصوصاً فن التحاور وبناء التحالفات مع أناس لا يقدرهم كثيراً، وهذه لا تشكل إحدى مواهب أوباما البارزة.على الصعيد الدولي، ستعزز هزيمة منتصف الولاية صورة افتقار السياسة الخارجية الأميركية إلى الوضوح والهدف المحدد، فالرجل الذي وعد بإعادة ابتكار القوة الأميركية في عالم متبدل يبدو رازحاً تحت التطورات والأزمات، مما قاده في نهاية المطاف إلى استراتيجية متكررة عقيمة، وهذا ما نلاحظه في التعاطي الأخير مع عدائية روسيا الجديدة بعد عملية "إعادة الضبط" الأولية، وأيضاً في إطلاق حرب أخرى في الشرق الأوسط بعد تأكيده ميزات الانسحاب من العراق، بالإضافة إلى ذلك، قد يشكل تردد أوباما بشأن سورية، حيث يبدو نظام الأسد على وشك أن يسترجع حلب، عقبة كبيرة أمامه في مجلس الشيوخ الجديد.بالنظر إلى هذه الخلفية، سيميل الرئيس على الأرجح إلى تحقيق إنجاز في المسألة النووية الإيرانية ليكون جزءاً من إرثه، لكن هذا يتطلب أولاً اتفاقاً راسخاً مع طهران ثم موافقة الكونغرس على تخفيف العقوبات، وفي هذا الشأن، كما في التغيرات المناخية والمجالات الأخرى التي يبدو فيها دور الولايات المتحدة بالغ الأهمية، يتطلب العالم من أوباما أن يواصل المحاولة وألا يهدر سنتيه الأخيرتين في سدة الرئاسة بالانزلاق إلى الهزيمة والاستسلام.
مقالات
على أوباما أن يتولى القيادة
11-11-2014