منع كتاب من التداول في بلد ما لسبب ما ليس غريبا ولا مستهجنا، وهي حالة عانتها الكتب التي لاقت رواجا واسعا تعود أسبابها، أحيانا، إلى هذا المنع. وظاهرة المنع ليست مقصورة على العالم العربي أو العالم الاسلامي تحديدا وربما أكثر الدول منعا للكتب هي روسيا الاتحادية قبل تفككها. كانت أكثر الكتب التي تنتقد الدولة الشيوعية تجد انتشارا في الجزء الغربي من العالم ويتم تداولها سرا في الدول المانعة. والذي ينتاب حكومة ما ترى في انتقادها انتقاصاً من مكانتها هو شعورها بالكمال وهو شعور بالتأكيد مضحك وساذج.

Ad

ومنع أي كتاب في العصر الحالي هو تسجيل موقف لا أكثر ولا يعني بالضرورة منع الكتاب من التداول. فالكتب اليوم يتم تداولها بسرقة حقوقها ونشرها على الشبكة دون مقابل، ويستطيع كل من يمتلك جهاز كمبيوتر الحصول عليها. بالتأكيد الحكومات تعلم ذلك.

في السابق كان المنع يحد كثيرا من تداول الكتاب، وربما لا يتوفر الكتاب الا لقلة من الأشخاص، وأحيانا يكون المنع مضحكاً وسخيفاً. فقد منعت الصين ذات مرة رواية لويس كارول - وهو اسم مستعار بالمناسبة - "أليس في أرض العجائب" لأن المؤلف يستنطق الحيوان، وهو بذلك يحط من قيمة الإنسان ويساويه بالحيوان. وربما هناك من يشتري جدلاً كهذا حتى الآن. وقد يصل الأمر إلى حرق الكتاب غضبا من تأثيره كما حدث لرائعة ريمارك "كل شيء هادئ على الجبهة الشرقية".

المهم في أمر المنع هو أن الكتاب لا يحقق المجد كونه كتابا ممنوعاً، فكثير من الكتب التافهة كانت تمنع دون أن يهتم بها أحد ونحن لا نتذكر إلا الأعمال التي قاومت المنع وشكلت أثرا انسانيا وأنقذها القارئ لأنها كتب تستحق البقاء لصدقها. فأعمال جورج أورويل كانت جميعها تمنع بحجة أو بأخرى، وهي اليوم مناهج تعليمية في كثير من الدول. وليس المنع في بريطانيا واستراليا والولايات المتحدة في الثلاثينيات هو الذي حقق شهرة رائعة جيمس جويس "عوليس".

قبل أيام، وفي هذا الزمن المنفتح على التواصل التقني، منعت رواية الزميل الشاعر والروائي عبدالله البصيص "ذكريات ضالة" وكنت قرأت الرواية قبل صدورها وكتبت عنها مقالا أبشر بكاتبها وعالمه الذي يشتغل عليه، ولم أجد في الرواية ما يمكن أن يشكل فهما خاصا يستدعي منعها. فقضية البدون التي تناولتها الرواية هي قضية مطروحة في الأدبيات الأخرى. تتناولها المقالات الصحافية بشكل يومي وتتداولها الحكومة في احصائياتها ومعالجاتها منذ بداية المشكلة/ المأساة.

ولم أرَ في طرح الزميل البصيص ما يمكن أن نصفه بفجاجة الطرح أو الفحش لا في اللغة التي كتب بها العمل ولا الأحداث التي تناولتها الرواية.

المشكلة التي لا أجد لها تفسيرا في العالم العربي، وفي معارض الكتب خصوصا هي علاقة الرقيب بما يكتبه الروائي المحلي مقارنة بما يعرض من كتب مترجمة عن أعمال أجنبية. لا مقارنة حقيقة بين ما نجده في الكتاب المحلي والكتاب الأجنبي، فمساحة الحرية التي تمنح للكتاب المترجم تفوق بمراحل المساحة الممنوحة للكتاب المحلي.

فيا سيدي الرقيب عاملنا ككتّاب أجانب ترجمنا لغة ما إلى العربية وارحمنا!