في حى السيدة زينب كان الميلاد. حي فقير في ملامحه، ثري في مشاعره، عظيم في بساطته وعلاقاته.

Ad

نشأت في منطقة بين السيدة زينب وبين الخليفة، تحديداً في حارة اسمها {الصايغ}، وهي صورة نموذجية للحارة التي رأيناها في أعمال كاتبنا الكبير نجيب محفوظ. كان أمام كل بيت في الحارة حجران نجلس عليهما، ولا نعرف الحكمة من وجودهما، وكان لبيتنا القديم باب ضخم ولم يسكن معنا أحد غريب سوى الخياطة. وكان للبيت أيضاً حوش كبير، ومخزن يضم بقالة عمي ووالدي.

أذكر أن عمي أمين كان نموذجاً لشخصية السيد عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ، ورغم ذلك كان يحبني لدرجة أني كنت الوحيد المسموح له بالجلوس معه على مائدة الإفطار يوم الجمعة. أذكر أيضاً أنه كان يملأ البيت رعباً طوال فترة وجوده، وبمجرد أن يتركه تبدأ الحياة ونسمع الضحكات في كل مكان وكأن كابوساً انتهى.

ومن الأشياء التي لا أنساها في طفولتي فنجان القهوة الذي أحببته من يد عمتي، وكانت لها وصفة خاصة عبارة عن بن وحبهان وجوزة الطيب، تمنح القهوة مذاقاً ما زلت أشعر به في فمي. وفي تلك الفترة كنت أهوى لعب الكرة في الحارة، وكنت بارعاً في {ترقيصها}.

هل تأثرت أو تولدت لديك عقدة حين اكتشفت أن والدك ليس والدك، وأنك عشت واقعاً مؤلماً وصعباً؟

صحيح، فعندما كان عمري ست سنوات نادى عليَّ المدرس في مدرسة أحمد بن طولون الابتدائية، وقال: محمد جابر، فلم أرد. وسألني: اسمك إيه؟ قلت: نور إسماعيل، فقال لي: لا... أنت اسمك محمد جابر. ركضت إلى البيت وحيرتي تسبقني ودموعي تملأ عينيَّ، فأخبرتني عمتي أن والدي تُوفي وعمري سنة، وأن عمي إسماعيل هو الذي رباني، وعندما سمعت ذلك فهمت سر إقامة والدتي بعيداً عنا.

هل فقدان الأب سبب لك عزلة أو انطواء؟

طبعاً، رغم أن أعمامي وعمتي عاملوني معاملة جميلة، ولم يحرموني من شيء، إلا أن في داخلي إحساساً يقول: ليس أبوك من يحبك. لذلك وصى القرآن الكريم باليتيم لأن إحاسيسه الداخلية تختلف عن أحاسيس من له أب وأم.

كانت والدتك موجودة وغير موجودة في الوقت نفسه؟

نعم، ما سبَّب لي عقدة فظيعة، خصوصاً بعدما تزوجت. حينها تضايقت جداً، لا سيما أني لم أكن مدركاً لظروفها، ولكن الحمد لله أنا عشت في بيت عائلة كبير مليء بالمشاعر والتضحيات المدهشة. مثلاً، عمتي انفصلت عن زوجها لتربي ستة أيتام من زوجته التي توفيت، وكانت أختي عواطف تربينا فلم تفكر في الزواج. لكن المشكلة الحقيقية في حياتي آنذاك أني لم أكن أعي شكل أبي... لم أر صورته إلا في عيون المحيطين بي حين يقولون: أنت صورة طبق الأصل من المرحوم جابر. ولعلمك أبي توفي صغيراً، فقد كان عمره 26 سنة، وهذا أحد الأسباب التي جعلتني أتزوج بعد هذه السن لأني كنت خائفاً من الموت في السن نفسها، خصوصاً أن ابن عمي مات وعمره أيضاً 26 سنة.

هل كنت متفوقاً في الدراسة؟

نعم، رغم أني لم أكن أحب الدراسة.

ما أكثر مادة كنت تكرهها؟

الحساب وحتى الآن، وأجهل السبب.

كنت واحداً من أشبال نادي {الزمالك}، وتحديداً دفعة الكابتن حمادة إمام ونبيل نصير، فهل حلمت أن تكون يوماً ما أحد نجوم كرة القدم؟

لا، لأن جسمي كان ضعيفاً، بالإضافة إلى أني لم أكن أفعل شيئاً في الملعب سوى {الترقيص} لاستعراض مهاراتي الفردية، وهذا لا يكفي.

ما سر عشقك للعبة البلياردو؟

فيها متعة غريبة، وتعيد ترتيب دماغك، ومعها تنسى همومك ومشاكلك، لأنها تحتوي على قدر كبير من التركيز.

 

هل تخاف من الحسد؟

جداً، وأنا من النوع الذي يُصيبه الحسد سريعاً. الغريب أني بعد نجاح كل فيلم أنتجته في بداياتي كنت أدخل المستشفى بعده لمدة 21 يوماً بسبب العمود الفقري، لدرجة أني هربت مع بوسي في اليوم الثاني لعرض فيلم {حبيبي دائماً} إلى لندن خوفاً من الحسد، ورغم ذلك انكسرت ساعتي التي كنت أعتز بها.

وهل هذا سبب حبك للبخور؟

أكيد، فأنا أحب البخور جداً.

ماذا عن حبك وقراءاتك في حياة الفراعنة وأسرارهم؟

أحب تاريخ الفراعنة، وأتمنى تقديم عمل عن هذا العالم الغامض القديم.

يقول أحد الكتاب: {يموت من الخوف والجزع من لا يحتمي في الحياة بقارب الصبر}، ما رأيك؟

أنا صبور إلى أقصى درجة، ولكن صبري يلازمه عدم الاستسلام.

هل في حياتك شيء صبرت عليه، ولم تنجح في الفوز به؟

نعم، السباحة فحتى الآن أغرق في شبر ماء.

ما هي نقطة ضعفك التي تحاول إخفاءها؟

الإحراج الذي أشعر به بسرعة في أي وقت.

هل ممكن أن تعتذر بسهولة؟

أكيد، إذا أخطأت أعتذر فوراً أمام الجميع من دون أي حساسية.

متى اعتذرت لنور الشريف؟

حين شارك في أفلام لم يكن يجب أن يقبلها.

دمعتك قريبة؟

ليس دائماً.

ما هي أسوأ عادة في شخصيتك؟

الإسراف.

ما الذي تهرب منه؟

المرض.

هل كنت تتمنى أن تنجب ولداً؟

أبداً، ربما لقناعتي بأن الفتيات أكثر حناناً من الفتيان، والبنت عندما تتزوج تضيف إلى الأسرة شخصاً، في حين أن الولد تأخذه فتاة أخرى بعيداً عن أسرته. والأهم من ذلك أن علاقة الفتيات بوالدهن تحمل الكثير من صفات الأمومة الجميلة.

 

هل يزورك الاكتئاب؟

كثيراً، لدرجة أن صديقي الإعلامي الراحل محمود سلطان كان يطلق عليَّ لقب {نادي الاكتئاب العالمي}، لأن الاكتئاب قرين المعرفة، وأنا أحد أشد الباحثين عن المعرفة، بالإضافة إلى أني منذ صغري غير اجتماعي، وأحب الجلوس مع نفسي.

 

هل تنام بسهولة أم تعاني الأرق؟

إذا قررت النوم أنام فوراً، وفي الوقت نفسه مهما نمت متأخراً لا بد من أن استيقظ مبكراً .

هل تحكم على الناس بإحساسك أم بعقلك؟

بإحساسي.

وإن صدمك صديق؟

أشعر أن الكون تهدَّم.

ما أسوأ شيء يمكن أن تتعرض له؟

الظلم.

كيف تواجهه؟

أحاول أن أدافع عن نفسي بالطرق الشرعية كافة، وإذا استمر الظلم أفكر في الهرب.

متى شعرت بالانكسار؟

يوم وفاة عمي إسماعيل، ويوم وفاة المخرج عاطف الطيب.

متردد؟

لا.

هل أنت سعيد؟

بدرجة معقولة.

كلمة أخيرة.

أتمنى أن أرى مصر مثلما أحلم بها دائماً.